قد تبدو لكم هذه السطور رواية خرافية لا واقعية ولا تمُت الى الحقيقة بصلة، في الحقيقة انها رواية من سلسلة روايات قد تتبدل فيها اسماء الضحايا والجلادين، بينما تبقى مافيا السلطة هي هي في كل حقبة وتحت اي ظرف من الظروف.
وبما ان الرواية طويلة نسبيًّا قررنا نشرها على ٣مراحل!
شاكر محمود طالب معقب معاملات في قسم تسجيل السيارات في طرابلس، جميع زبائنه ومعارفه واقربائه وجيرانه يعيّرونه انه لم يتمكن يومًا من “الاستفادة” من مركزه في “النافعة” لتحسين ظروفه المالية، انه مفوض نقابة معقبي المعاملات، دوره تنسيقي بين الادارة والنقابة والمواطن، يؤم مركز عمله يوميًّا هدفه تأمين قوت عائلته بالحلال وتسيير امور المواطن الهارب بالاساس من “الكوميسيونات” والسمسرات.
لعقود كان دور شاكر تحسين الادارة نحو الافضل وهو العسكري السابق الذي اكتسب خبرته يوم كان في امانة السر في احدى القطع في الجيش اللبناني، لم يواجه شاكر اي تأنيب في عمله ولا اي استدعاء او تحقيق لا بل يعتبر سجله من انظف سجلات العاملين في قطاع تسجيل السيارات في “النافعة”. يوم فسدت السلطة في لبنان، ووصل فساد اركانها الى حدود نخر الادارة وتسخير العاملين فيها لخدمتهم ولتسهيل صفقاتهم، وكل من يعترض على مسار الفساد والافساد مصيره الاقالة والتوقف عن العمل او الصرف التعسفي او عدم تجديد رخصه، سلطة تستغل نفوذها كي تمنع كل من يهدد مصالحها ويقلل من شأن جبروتها.
سعى اركان الفساد الى تمرير سلسلة تعيينات في الادارة للفوز بدفاتر “البيومتريك”، اول الغيث كان تعيين مدير عام لهيئة ادارة السير السيدة هدى سلوم ابنة خالة النائب هادي حبيش، تلاه رئيسًا جديدًا لمصلحة السيارات السيد ايمن عبد الغفور بالتكليف، هذين التعيينيْن مكّنا شركة “اينكريبت” التي تصدر رخص دفاتر السيارات “البيومتريك”ودفاتر السوق الجديدة من الفوز بما اسموه مناقصة، صاحب الشركة هشام العيتاني هو الواجهة للشركة، وهو من اشهر العائلات البيروتية، شركاؤه وزير الداخلية آنذاك نهاد المشنوق، امين عام تيار المستقبل احمد الحريري النائب هادي حبيش، فوز الشركة ادى الى سلسلة توظيفات للشركة معظمهم محسوبون على آل حبيش خصوصًا في مركز طرابلس.
استلمت الشركة الجديدة الاصدارات وبطبيعة الحال رافق تلك الخطوة سلسلة توظيفات للجهات السياسية المعنية، اول الغيث بدأ بخروج الادارة الجديدة عن السياق الاداري المتبع سابقًا، فنقل ملف من نافعة الدكوانة الى طرابلس او من جونية الى طرابلس يستلزم رسالة عبر تطبيق واتساب ان كان معقب المعاملات او الزبون من خطهم السياسي.
تطلبت تلك التجاوزات سلسلة احتجاجات من معقبي المعاملات فتمت “ضبضبة” الملف على الطريقة اللبنانية، اي في العلن تلك التجاوزات مرفوضة لكنها مسموحة من تحت الطاولة للمحاسيب. في يوم من الايام اتصل جوزيف حنوش وهو معقب معاملات في الدكوانة وجونية، الذي اختطف منذ فترة قبل ان يعاد الافراج عنه، بشاكر طالب سائلا: “هل عندك علم انه يمكنك تسجيل سيارة بمجرد قطع الوصل دون دفع ثمن التسجيل؟ هل نظام الكومبيوتر في طرابلس يمرر تلك الحالات”؟ استمهل شاكر حنوش للتأكد من الموضوع، بعد ايام تلقى حنوش اتصال من شاكر يبلغه بأن نظام الكومبيوتر يمرر تلك الحالات بطريقة طبيعية. اجتمع معقبو المعاملات وارسلوا كتابًا احتجاجيًّا الى وزارة مكافحة الفساد التي حولتها بدورها الى التفتيش المركزي، فطلبت الادارة مهلة ١٥ يوم لتصحيح الخلل، بعد مرور الفترة الزمنية المحددة اعاد شاكر المحاولة ليتفاجأ بأن الخلل لم يتم تصحيحه. حرصًا منه على المال العام واموال المواطنين والتي تقدر بمليارات الليرات شهريًّا، ارسل كتابًا الى المدعي العام المالي عباس ابراهيم، الذي حول بدوره الملف الى التفتيش المركزي، فإستدعى التفتيش شاكر مستوضحًا عن مكامن الخلل طالبًا ادلة، ابرز شاكر للتفتيش ما لديه من وثائق، وبما ان الوثائق التي كانت بحوذة شاكر كان قد مر عليها اسابيع طلب التفتيش المركزي من شاكر اعادة تسجيل سيارات واصدار دفاتر لها دون دفع البدل المادي في اليوم عينه على ان يدفع البدل المادي ثاني او ثالث يوم، بهذه الطريقة يتبين ان تاريخ اصدار الدفاتر سبق تاريخ الدفع وهو البرهان الذي سيقطع الشك باليقين. نفذ شاكر ما طلب منه، فتدخل التفتيش المركزي فورا فارضًا على الشركة تصحيح الخطأ وتم احالة الملف الى التحقيق الاداري الذي بطبيعة الحال سينتهي التحقيق به شأنه شأن آلاف التحقيقات القابعة في ادراج الادارات. بعد النكسة المالية التي تسبب بها شاكر للشركة ومن يقف خلفها حارمًا تلك الجهة مليارات الليرات شهريًّا، بدأ التضييق عليه اداريًّا.

من_بيروت

يتبع في الحلقة الثانية غدًا