لم تنته ارتدادات نقابة المحامين في أوساط الأحزاب السياسية والمجموعات المدنية المعارضة، بالنظر إلى ما لهذه النقابة من دور أساسيّ على المستوى العام وعلى مسألة الحريّات، إضافة إلى دورها في الأزمات الحالية التي يمرّ بها لبنان، من قضية التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وصولاً إلى قضيّة الودائع والمصار؛ هذا فضلاً عن أن المحامين، بأغلبّيتهم المطلقة مسيّسين ومن قادة الرأي العام.

وحتى الساعة، لا تزال القوى المعنيّة تعكف على استخلاص النتائج من معركة الأحد حتى لا يتمّ إسقاطها على انتخابات نقابية أخرى، تجري ثلاثة منها الأحد المقبل، وهي نقابة الصيادلة، ونقابة أطباء الأسنان، ونقابة المعالجين الفيزيائيّين، وإن لم تكن بحماوة وأهمّية نقابة المحامين.

ومن الطبيعي أن تكون الانتخابات لجهة قراءتها، وبالطريقة التي تناسبها، لكنّ خلاصاتها – بشكل عام – باتت واضح، وأهمها أن قضية العلاقات الشخصية  والمصالح لا تزالت تلعب دوراً مهماً على مستوى النقابة، بدليل أن هذه الانتخابات لم تُخَض يوماً بلوائح مقفلة ومعلنة، إنما كانت تخضع دائماً لتحالفات تترك هامشاً للمحامين أثناء الاختيار.

وقد تبيّن أيضاً بشكل واضح أنّ على أيّ معارضة تريد خوض أيّ استحقاق انتخابي ان تكون موحّدة، وإلّا لن تحقق نتائج مهمّة. وفي المقابل، لا يمكن إسقاط نتائج محدّدة على أي نتائج أخرى، أي الانطلاق من الوحدة بالمجمل، ودراسة واقع كلّ معركة، ثم التعامل معها بالظروف التي تناسبها.

وبلغة الأرقام، لو جمعنا أصوات لائحة “نقابتي” (معدّل 600 صوت) وأصوات جبهة المعارضة اللبنانية (معدّل 1400 صوت)، لكانت فازت بمقاعد المجلس والنقيب، علماً بأن هذا الاتفاق كان قريب الإنجاز حول المحامي كريم ضاهر، إلّا أن اعتراض مجموعتَي “ممفد” والمرصد الشعبي لمكافحة الفساد حالت دون ذلك.

ومن المعلوم والواضح أن تاريخ نقابة المحامين في بيروت عريق بيمينيّته، وقد أظهرت الانتخابات هذا الجانب، وبأرقام كبيرة؛ وفي هذه النقطة بالذات لا بدّ من الإشارة إلى ثلاثة أمور:

  1. ظهور حزب الكتائب كقوة كبيرة في النقابة محافظاً على حضوره التاريخيّ منذ عقود، (فاز مرشحان حزبيّان في مجلس النقابة فقط هما: المرشّح الكتائبيّ والمرشّحة القواتيّة)، بالإضافة إلى ظهوره كقوّة داعمة، قادرة على خوض وايصال مرشّحين (ألكسندر نجّار وعماد مرتينوس).
  2. حضور كبير ومنظّم للقوات اللبنانية، إذ يبدو واضحاً أنها لم تتأثر كبقيّة الأحزاب التي انسحبت أو اختبأت خلف مستقلّين، فخاضت المعركة، وحافظت على مقعدها في النقابة (القوات حاضرة منذ سنوات طويلة في مجلس نقابة المحامين)، وخاضت معركة النقيب عبر المحامي عبدو لحود المقرّب منها، ما جعل منها قوة أساسية وكبيرة في النقابة.
  3. أفول نجم التيار الوطني الحر، بعد أن كان طرفاً أساسيّاً وكبيراً في النقابة؛ فهو لم يستطِع إيصال مرشّح واحد إلى مجلس النقابة، في ظاهرة تبدو لافتة في النقابات والجامعات.

أما بالنسبة إلى النقيب، فقد كان لإبعاد وتحييد الكتائب لـ “بلوكها الحزبيّ” عن المعركة أثر بالغ (نال ألكسندر نجار 599 صوتاً بالرغم من انسحابه) على المعركة، وأعطت تقدّماً لناضر كسبار الذي هرولت الأحزاب للتصويت له وتبنّيه، بالرّغم ممّا بيّنته انتخابات مجلس النقابة من ضعف. ولكن هذا لا يبعد أنه نقابيّ عريق، وهو نجح في دورات عديدة بدخول مجلس النقابة، وترشّح إلى مركز نقيب أيضاً في عدد من المرّات، وله علاقته الوطيدة مع النقباء السابقين الذين لهم تأثير كبير على سير المعركة، إضافة إلى علاقاته الشخصيّة مع المحامين نتيجة عمله لسنوات في اللجان النقابية، ما جعل أحدهم يُخبر – على سبيل الطرفة – بأن ناضر كسبار يسبقه بمعايدة زوجته المحامية عند كلّ عيد أو مناسبة.

نقابة أطباء الأسنان

وانتقالاً من نقابة المحامين إلى نقابة أطباء الأسنان يبدو المشهد مشابهاً بنسبة كبيرة على صعيد الأحزاب وقوى المجتمع المدني.

في نقابة أطباء الأسنان 4500 طبيب تقريباً، سدّدوا اشتراكاتهم، ومن المتوقع أن تكون نسبة المشاركة مقبولة، لكن ما يميّز انتخابات هذه السنة هو كيفيّة  التعاطي الديموغرافيّ. فمنذ تأسيس النقابة، جرى العرف بأن يكون النقيب مسيحيّاً. لكن موازين الديموغرافيا الطائفية في داخل النقابة تغيّرت، وبحسب آخر إحصاءات، بلغ عدد الأطباء المسلمين 2500 مقابل نحو 1700 من المسيحيين.

تخوض الانتخابات النقابية 4 لوائح، بأغلبيّتها العظمى تتلطّى تحت ستار المستقلّين، من دون أن يُعلن أيّ حزب دعمه للائحة معيّنة سوى حزب الكتائب وجبهة المعارضة اللبنانية، اللذين يدعمان لائحة “نقابتي ثورتي”، ويرشّحان إميلي حايك لمنصب نقيب، ومعها أسماء مستقلة.

إضافة إلى “نقابتي ثورتي”، يترأس الدكتور إلياس المعلوف لائحة مدعومة بشكل مباشر من ثنائي “أمل وحزب الله”.

أما ريمون خوري فيرأس لائحة ثالثة، تحظى بدعم “التيار الوطني الحر”، بالرغم  من عدم تبنّي الأمر مباشرة.

أما اللائحة  الرابعة، فهي اللائحة التي تقول إنها تمثّل المجموعات الثوريّة، وهي ولدت نتيجة ائتلاف عدد من مجموعات الثورة (16 مجموعة، منها مجموعات فاعلة كـ “بيروت مدينتي” و”لحقّي”)، مع لائحة “مستقلون منتفضون”، التي تضمّ حزب سبعة، ومدعومة من حزب “القوات اللبنانية” من دون الإعلان عن ذلك، برئاسة رونالد يونس المقرّب من الأمين العام لحزب “القوات اللبنانية” النقيب السابق لأطباء الأسنان غسان يارد.

لكن تطوّراً طرأ نهار الجمعة، وتمثّل بإعلان أغلب المجموعات الثورية الانسحاب من دعم اللائحة، واتّخاذ قرار بالخروج من المعركة النقابيّة، فيما استمرّ جزء منها بالدعم، أبرزه الحزب الشيوعي اللبناني، الذي أصدر بياناً واضحاً، بالنظر إلى كون اللائحة تضمّ مرشّحين من أعضائه.

وفي هذا الإطار، تنفي “القوات اللبنانية” دعمها أيّ لائحة، مشيرة إلى أنّها أعطت الخيار للأطباء لدعم من يَرونه مناسباً.

وتشدّد “القوات” على أنّها لم تعتد أن تختبئ وراء أحد، بل تخوض الانتخابات بهُويّة واضحة، و”لا نخشى كما غيرنا من أحزاب المنظومة إبراز هويتنا التي هي موضع افتخار لنا، ولا يخجلنا، وهذا ما فعلناه في نقابة المحامين وفي الانتخابات الطالبيّة، ونقبل النتيجة مهما كانت”.

وعن غياب “القوات” عن الترشّح في بعض النقابات، تؤكّد أن مصلحة المهن في الحزب تدرس الخيارات مع أعضائها، وهي تأخذ القرار بما يتناسب مع طروحاتهم، والحزب يلتزم بما يقرّرونه، “فأهل مكة أدرى بشعابها”.

وتختم بأن بعض النقابات والجامعات لها بصمة سياسية معيّنة، أما الآخرون فهي مهنيّة بحتة، ولا تترك أيّ ارتداد سياسي”.

 

نقابة الصيادلة

 

ومن نقابة أطباء الأسنان إلى نقابة الصيادلة لا يختلف الجوّ كثيراً، من ناحية كثرة المستقلّين واختباء الأحزاب خلفهم.

في نقابة الصيادلة، تتمّ المداورة بين المسيحيين والمسلمين على النقيب، دورة بعد أخرى. واستحقاق هذا العام سيحمل نقيباً مسيحيّاً خلفاً للحالي غسان الأمين. أما مجلس النقابة فيضمّ 12 عضواً، من ضمنهم النقيب، وينقسم أعضاؤه مناصفة، أي حين يكون النقيب من الطوائف الإسلامية يكون عدد الأعضاء المسلمين 5، وبالعكس. وفي النقابة اليوم 11 ألف صيدليّ، سدّد منهم 8000 تقريباً رسوم الاشتراكات. ومن المتوقّع ألا يتجاوز عدد الذين سيشاركون في الاقتراع عتبة الـ50 في المئة.

الصراع في هذه المعركة يدور في فلك 4 لوائح، واحدةٌ تضمّ رسمياً أحزاب السلطة، وثلاث تُطلق على نفسها صفة الاستقلال.

لائحة الضمير المهني برئاسة النقيب السابق زياد نصّور، وتضمّ لائحته حزبيّين من “حزب الله” و”حركة أمل” و”الحزب القومي السوري الاجتماعي”، و”تيار المستقبل”.

اللائحة الثانية هي لائحة “نقابتي سندي”، وممثلها لمركز النقيب هو جو سلّوم، ومرشّحوها مستقلّون ونقابيّون سابقون من دون يخفوا ميول بعض الشخصيات السياسية، بدءاً من رئيس اللائحة الكتائبي (علّق نشاطه)، إضافة إلى إحدى أعضاء التيار الوطني الحرّ ، ما سيدفع جزءاً من المنتسبين الأحزاب لدعم اللائحة.

لائحة “الصيادلة ينتفضون”، يترأسها فرج سعادة، وهو كان مقرّباً من “التيار الوطني الحر”، وتضمّ أفراداً من المجموعات الثورية وجمعيات المجتمع المدني. ولكن بين الصيادلة مَن يشير إلى أنّها تمثّل الذراع اليساريّة للثورة.

وتجدر الإشارة إلى أن تحالف “الصيادلة ينتفضون” أبعد التدخّل المباشر من المجموعات من خارج أسوار النقابة، وتجنّب ما جرى في نقابات أخرى عندما خاضت مجموعات معركة تشكيل اللوائح، وهي أصلاً ليس لديها منتسب واحد في هذه النقابة؛ وبهذه الطريقة ألزموا المجموعات بدعمهم من دون التدخّل المباشر.

واللائحة الرابعة هي “نحو نقابة مستقلّة”، ويرأسها ناجي جرمانوس، الذي يشدّد على أن لائحته مستقلّة. لكن مشكلة جرمانوس أنّه يملك شركة أدوية، ما يؤثر على معركته، خصوصاً أن بعض الصيادلة يخوضون معارك مستمرّة مع الشركات.

وتجدر الإشارة إلى أن مختلف الأحزاب أصدروا بياناتٍ، تركت الحريّة لمحازبيها في انتخاب من يَرونه مناسباً.

نقابة المعالجين الفيزيائيين

كان من المفترض أن تجرى الانتخابات النقابية نهار الأحد أيضاً، لكنّ بياناً مفاجئاً أعلن تأجيل مجلس النقابة المؤلّف من أحزاب السلطة الانتخابات، مستنداً إلى أن مبنى النقابة لا يتوافق مع حالة التعبئة العامة، ما دفع العديد من المعالجين إلى استغراب هذا القرار، خصوصاً أن عدداً كبيراً من النقابات أجرى وسيجري الانتخابات غير آبهٍ بقرارات التعبئة العامة.

اسكندر خشاشو في جريدة النهار