تلقّى حزب الله صفعة في انتخابات لبنان لا تقلّ وقعاً عن الصفعة التي تلقّتها إيران في انتخابات العراق في تشرين الأول الماضي، لكنّ الردّ الاستباقي من الحزب ينذر بمأزق سياسي أكبر من ذلك الذي تعيشه بغداد منذ سبعة أشهر، حيث لا حكومة ولا حسم للكتلة الكبرى، ولا انتخاب لرئيس الجمهورية.

الحصيلة الأوضح في انتخابات 2022 فقدان حزب الله الغطاء الشعبي لسلاحه في الشارع اللبناني خارج الطائفة الشيعية. إذ أعطى السُنّة والدروز والمسيحيّون أغلبيّات ساحقة للقوى المناوئة للسلاح، بِمَن فيها العديد من وجوه المجتمع المدني التي تدخل المجلس النيابي للمرّة الأولى:

انكمشت القوّة الانتخابية للتيار العوني إلى نحو 20%، مقابل تفوّق للقوى السيادية وقوى المجتمع المدني التي تحمل موقفاً صريحاً مناوئاً لسلاح الحزب الله.

خرجت القوى الدرزية الحليفة للحزب بصفر تمثيل في بعبدا وعاليه والشوف وبيروت وحاصبيا والبقاع الغربي.

أمّا الساحة السنّيّة فأفرزت أغلبيّة ساحقة للقوى الرافضة لسلاح الحزب، تشمل مروحة واسعة من التلاوين المختلفة، من أشرف ريفي وقدامى تيّار المستقبل إلى إبراهيم منيمنة ونبيل بدر والجماعة الإسلامية، في مقابل سقوط مدوٍّ لفيصل كرامي في طرابلس، وتراجع لجمعية المشاريع (الأحباش) في بيروت.

واجه حزب الله التقهقر الشعبي لحليفه المسيحي بعملية هندسة انتخابية للحفاظ على درع الكتلة المسيحية الكبرى، فسحب من الحزب القومي مقعداً في بعلبك-الهرمل ومنحه للتيار العوني، وسحب المقعد العلوي من حزب البعث في عكّار، وأغضب القوميّين في بيروت الثانية، وضحّى بإيلي الفرزلي بالبقاع الغربي. هذا عدا عن تسخير فائض الأصوات في زحلة وعاليه وبعبدا والمتن لدعم حواصل العونيّين.

الهجوم المضادّ الأبرز كان في عكّار البعيدة عن مسرح الحدث المسيحي، رتّب حزب الله الارتداد العوني ليمنحهم ثلاثة مقاعد إضافية في تكتّلهم.

القوّة الانتخابية للعونيّين في الدائرة كانت في حدود 15 ألف صوت في انتخابات 2018، حين كان الحاصل يتجاوز عشرين ألفاً. وكان من المقدّر بحسب الاستطلاعات أن تنخفض القوة العونية إلى 13 ألفاً، أي ما لا يكفي لنجاح أيّ نائب.

كلمة السرّ حملها محمد يحيى، صاحب العلاقات ملتبسة بالنظام السوري وحزب الله. فالرجل ضاعف أصواته التفضيلية من 8,000 صوت عام 2018 إلى أكثر من 15 ألف صوت في 2022. التحوّل حصل بسبب هيمنة حزب الله على المنطقة المحاذية لوادي خالد وعموم عكّار من الناحية السورية.
إمساك حزب الله بالمعابر الشرعية وغير الشرعية إمساك بشرايين الحياة الاقتصادية في مناطق العشائر، حيث تنشط عمليات التهريب. وكان لسلاح المازوت الإيراني وبطاقات الإعانات الغذائية فعّالية في الإمساك بمفاتيح المنطقة الانتخابية.

سخّر حزب الله كلّ ذلك في خدمة العونيين، وأضاف إليهم كتلتين ناخبتين، هما الكتلة البعثية العلوية، التي تزيد على أربعة آلاف صوت، وكتلة القوميين السوريين التي تقارب 5,000 صوت. كان من المفارقات أنّ ألف صوت تفضيلي من البعثيّين والقوميّين صبّت لرفع رقم المرشّح العوني جيمي جبور، لتضمن تفوّقه على هادي حبيش. وهذا ما يفسّر تراجع الرقم الذي صبّ للمرشّح القومي شكيب عبود إلى 3,300 صوت، بينما حصل القومي إميل عبود في 2018 على 5,000 صوت.

 

هكذا حصلت قائمة العونيين على نحو 42 ألف صوت، لا تتجاوز أصوات العونيين منها 30%، لتحصد مقعدين للكتلة وثالثاً للتكتّل، وأفلت منها الرابع العلويّ بفارق أقلّ من مئة صوت. وتتردّد معلومات عن ضغوط مورست على الفائز في القائمة المنافسة سجيع عطيّة للانضمام إلى التكتّل العوني.

يضاف إلى ذلك حرمان الحزب القومي من مقعده التاريخي في بعلبك-الهرمل، تسهيلا لفوز سامر التوم، وكذلك تفضيل العونيّين على القوميّين بمنحهم مقعداً بفائض أصوات الحزب في دائرة بيروت الثانية، والتضحية بإيلي الفرزلي، مع أنّ القوّة الانتخابية العونية لا تتجاوز 2,500 صوت هناك، إضافة إلى منح مقعدين لتكتّل العونيين في زحلة، أحدهما لحزب الطاشناق، فيما قوّة العونيين والطاشناق معاً هناك تقلّ عن نصف حاصل انتخابي. بذلك يكون دور حزب الله حاسماً في ترتيب تسعة مقاعد نيابية لتكتّل جبران باسيل 4 في البقاع و1 في بيروت و4 في عكّار.

 

كل هندسات الاصوات لم تبدل في الواقع الشعبي الذي حوّلته الانتخابات إلى حقيقة سياسية. ثمّة اعتراض مسيحي وسُنّي ودرزي على حالة الحزب النافرة وسلاحه الخارج عن سلطان الدولة. وسيكون على الحزب أن يختار التعامل مع هذا الاعتراض إمّا بواقعية وتواضع من خلال حوار وطني، وإمّا بالنكران وتعطيل مفاعيل الانتخابات.