فنجيب ميقاتي يتميز بأنه يلاعب الجميع بأسلحتهم. وقادر على إسماعهم ما يطيب لهم سماعه. فيعطيهم من أطراف اللسان والمواقف حلاوة، ويحقق لاحقًا ما يريد. لعبة الوقت والاستنزاف التي كان يستخدمها رئيس الجمهورية وجبران باسيل منذ العام 2005 إلى اليوم، يعمل ميقاتي على قلبها ضدهما.
أعد تشكيلة حكومية، وضع اللمسات عليها بعد تكليفه مباشرة، وقبل الاستشارات غير الملزمة. بدّل فيها بعض الوزراء والوزارات، منها وزارة الطاقة. وذهب بها إلى عون الذي طلب الاستمهال لدراستها، فحقق ميقاتي أكثر من هدف: إسراعه في الانجاز، وسعيه الجدي في التشكيل. رميه الكرة في ملعب رئيس الجمهورية. لذا، فأي اتهام بالتعطيل يتناول عون ولا أحد سواه.
اختلاط الغموض بالوضوح
قبل تقديم التشكيلة الحكومية، كانت مواقف باسيل تصعيدية حيال ميقاتي: أكد أنه لا يريد أي مطلب، ولا يشترط المشاركة في الحكومة. هاجم ميقاتي عنيفًا لأسباب عدة: تبرؤه من الحكومة، بقاؤه في موقع المعارضة، عدم احتساب نفسه أنه سمى ميقاتي، وفتحه هامشًا واسعًا للتفاوض. سلوك باسيل هذا كان اتبعه مع حكومة ميقاتي الحالية، التي لم تتشكل إلا بعد لقائهما وتواصلهما مرات للتفاهم على التشكيلة.
في المقابل، هناك قراءة أخرى لتصعيد باسيل. فثمة من يطرح تساؤلًا ما إذا كانت مصلحته تقتضي تشكيل حكومة؟ الإجابة على هذا السؤال صعبة. فهل مصلحة باسيل تقتضي بقاء حكومة تصريف الأعمال على حالها، أم تتعلق بتشكيل حكومة مشابهة للحكومة الحالية مع بعض التغييرات؟
في أول أيلول تصبح مهمة مجلس النواب الوحيدة، انتخاب رئيس للجمهورية. وهذا يعني أن لبنان يقف على مفترق شهرين فاصلين. بقاء عون في بعبدا بعد انتهاء ولايته، لن يكون في مصلحته. فبقاؤه يؤدي إلى تكريس انقسام أوسع، وهو أعلن أكثر من مرة أنه سيغادر.
حكومة بلا شرعية؟
للمرة الأولى منذ دخوله الحكومات، ولعبه دورًا أساسيًا في تشكيلها، لن يكون باسيل قادرًا على استخدام لعبة الوقت والرهان عليه. فالوقت حاليًا يعمل ضده وضد مصلحته، بينما كان يعمل سابقًا على إطالة أمد التعطيل، وقطع أنفاس الآخرين واستنزافهم. وهذا منذ تعطيل تشكيل حكومة سعد الحريري الأساسي في العام 2009، عندما كان تيار المستقبل يرفع شعار عدم توزير الراسبين في الانتخابات، فكسر هذه القاعدة كرمى لباسيل، وقال عون قوله الشهير: لعيون صهر الجنرال ما تتشكل الحكومة.
هنا ثمة احتمالان: إما أن باسيل يخوض معركة تحت عنوان عليَّ وعلى أعدائي، أو أنه لا يريد فعلًا تشكيل حكومة، لأسباب غير واضحة. فهناك خلاف دستوري كبير جدًا على مسألة تسلم حكومة تصريف أعمال صلاحيات رئيس الجمهورية. ووفق الدستور لا وجود لحكومة تصريف أعمال، بل وزراء يصرفون الأعمال في وزاراتهم.
قد يكون باسيل يريد حكومة مشكوك بشرعيتها. فعدم وجود حكومة قادرة على الانعقاد، يعني أنها لا تمتلك صلاحيات الرئيس. وهذه قد يستخدمها باسيل، حيال الكتل المسيحية وسواها، حفاظًا على الموقع المسيحي والصلاحيات. ومن ثم إجبار النواب المسيحيين على المشاركة في جلسات انتخاب الرئيس كلها، وعدم السماح لهم بمقاطعة الجلسات وتعطيل النصاب.
هنا يكون الدور الأبرز لحزب الله. فبعد تمرير الجلسة الأولى بتأمين نصاب الثلثين، والذي يجب أن يتوفر أيضًا في الجلسة الثانية، التي تبقى منعقدة لانتخاب الرئيس بأكثرية النصف زائد واحد. وهنا تتجدد تجربة الـ65 صوتًا. ولكن لا يمكن الحسم، لا بهوية الرئيس، ولا بكيفية تمرير مثل هذا السيناريو المتخيل.
طامحون للرئاسة لا للوزارة
ينظر كثر إلى تشكيل الحكومة كمقدمة للانتخابات الرئاسية. فالمهلة الفاصلة بين تحول المجلس النيابي إلى هيئة انتخابية دائمة، لا تتجاوز 8 أسابيع.
ويطيب لكثيرين -ومن بينهم بعض الوزراء الذين طلبوا إعفاءهم من تشكيلة ميقاتي الحكومية الجديدة- إجراء حسابات حول احتمال وصولهم إلى الرئاسة، نظرًا لجملة ظروف ومعطيات تناسبهم: علاقتهم بالأميركيين، تلاقيهم مع إيران أو سواها. وهؤلاء ينظرون إلى أنفسهم كتوافقيين، لا بد للظروف أن تفرضهم مرشحين بارزين، كما فرضتهم وزراء.