لكن ملف الترسيم لا يحتاج إلى حكومة جديدة لإقراره، في حال الوصول إليه، وبالتالي لا اهتمام خارجيًا بتشكيل الحكومة لتمرير الاتفاق.
فالتفاوض على الترسيم يجري عبر قنوات خارج المؤسسات: سواء مع رئيس الجمهورية، ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب المكلف من قبله، أو مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي وحزب الله ضمنًا.
حزب الله يتقدم الدولة
يظل حزب الله هو الأساس في كل ما يتعلق بهذا الملف، رغم قول الحزب إياه إنه يقف خلف الدولة اللبنانية. فبعد إطلاق مسيّرات ثلاث في اتجاه حقل كاريش، تقدم حزب الله الدولة، مكرسًا مبدأ أن الحقل متنازع عليه. الخطوة هذه استدعت ردودًا اعتراضية كثيرة خارجية واتصالات دولية بجهات محلية.
هذا ما دفع بميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب إلى إصدار موقف يتبرأ من خطوة حزب الله. رئيس الجمهورية ميشال عون يريد إنجاز الملف في عهده. ورئيس الحكومة لا يريد أي مشكلة أو خلاف، ومن مصلحته إقرار الاتفاق في ظل رئاسته للحكومة. أما رئيس مجلس النواب فيريد العودة إلى اتفاق الإطار.
يؤثر هذا الملف، والإختلافات اللبنانية المستمرة حوله، والنافية كل ما قيل سابقًا عن وجود موقف لبناني موحد منه، على كل الاستحقاقات السياسية في البلد. موقف بوحبيب الاعتراضي قد ينعكس عليه سلبًا في تشكيل الحكومة الجديدة. وهناك من يعتبر أن موقفه المعلن ما كان ليكون بلا تنسيق وزير الخارجية مع بعبدا وإخطار حزب الله به.
فالحزب عينه لا مشكلة لديه في ذلك، وهو محترف في توزيع الأدوار أو الاستفادة من المواقف المتناقضة.
رسالة إسرائيلية بواسطة فرنسا
هذا الواقع هو الذي دفع إلى حضور ملف الترسيم في المحادثات الفرنسية- الإسرائيلية، وحمل رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد على إثارته مع نشاط حزب الله في لقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وذلك نظرًا للدور الذي يقوم به ماكرون في لبنان.
وتقول مصادر متابعة إن إسرائيل طلبت من الفرنسيين إيصال رسالة إلى حزب الله: لا نريد التصعيد، وليس من مصلحة أي طرف الذهاب إلى تصعيد. مضمون الرسالة الفرنسية وما يشبهها، تعمل عليه دولة النروج المهتمة بتهدئة الأجواء والساعية إلى لعب دور في ملف التنقيب عن النفط في المنطقة.
النفط والغاز حاجة أوروبية- دولية
أكثر ما تهتم به إسرائيل هو تكريس الاستقرار لحاجتها الضرورية إلى استخراج النفط والغاز في أيلول المقبل، وتصديره إلى أوروبا مهما كان الثمن. وهي تحاول تشيكل رأي عام أوروبي ضاغط على حزب الله: هذان النفط والغاز يمسان الأمن القومي الأوروبي، وهما يحظيان باهتمام عالمي، وليس إسرائيليًا فحسب.
فالنفط والغاز ملك أوروبا من دون سواها. لذا على باريس أن تتحرك مع الإيرانيين وحزب الله لتفادي أي تصعيد.
لا إيران ولا روسيا
يجري كل هذا وفق واقع دولي ضاغط على لبنان، على القاعدة التالية: حتى لو كان لدى لبنان ثروات من الغاز، فإن الجهة التي ستعمل على توريده هي تحالف شرق المتوسط. والدول غير المنضوية في هذه المجموعة، لن تكون قادرة على تصدير الغاز إلى أوروبا.
هنا تُسقط المصادر ادعاءات حزب الله القائلة أن لبنان قادر على تصدير الغاز من خلال شركات إيرانية أو روسية أو صينية تقوم بالتنقيب. فهذه الشركات غير قادرة على العمل. وإذا عملت لن تقدر على تصريف الإنتاج. فإيران وروسيا لديهما أكبر المخزونات الاحتياطية، لكنهما غير قادرتين على التصدير بسبب الضغوط والعقوبات.