تأخرت الطوائف اللبنانية كثيراً عن الطائفة الشيعية. فبدأت تنظر اليها بحقد، وتعقد حلقات سحر أسود وتحسدها، علها تصيبها بالعين، لتكبح جماحها الصاروخي.

بينما تخسر الطوائف قدراتها على إنتاج النجوم، يتدافع أبناء الطائفة الشيعية على النجومية التي لم تعد، ومنذ زمن بعيد، حكراً على الثنائي المقدس، بل تخطتهما بوجوه جديدة يكاد لا يمر يوم إلا ويظهر واحد جديد منها، مثبتاً قدراته في برنامج المواهب المفتوح.
التحالف العميق، على مضض دائم، بين الثنائي، ليس السبب الوحيد للنجاح المبهر الذي تحققه البيئة وفروعها في الميادين كافة. السر في مكان آخر. في النجوم الذين يتوزعون على مختلف أنواع الاهتمام العام، من السياسة إلى الفن إلى اللايف ستايل.

“سماحة العشق” الأبدي رجل يدير مئة ألف صاروخ ومئة ألف مقاتل بسبابة مجهولة الإقامة. ينخرط في استراتيجيات المنطقة وتقرير مصيرها انخراط رب عائلة في إعداد طبق معكرونة. ينتصر في حروب كبرى بأسهل مما ننتصر في لعبة مونوبولي. وحين يقول له جمهوره سنخوض البحر معك، فلن تمنعهم أي ضائقة اقتصادية أو اجتماعية عن هذا الخوض المجازي. هم أصلاً، ومنذ زمن بعيد، في البحر معه، وصوت مطلق معركة يخوضها هذا الربان، يعلو فوق أي صوت آخر.

الأستاذ، نجم بلا تاريخ انتهاء صلاحية، أبدي الوجود في سوق السياسة اللبنانية. يقول الأشياء ونقيضها بالمفردات والثقة واللهجة نفسها. يقفز برشاقة فراشة من رجل دولة ومشرع إلى حامي حمى الطائفة بالحديد والنار. لاعب خفة لطالما أبهر الصحافيين فباتوا يعدون الأرانب التي تخرج من كميه، لا العد انتهى ولا انتهت الأرانب.

السياسة، عند الطائفة الشيعية، لا تقتصر على سياسييها. البيئة كلها مسيسة، بصغارها وكبارها وانتهازييها، لا فرق بين ناشط على وسائل التواصل، يعلن من موبايله الحرب على إسرائيل متوعداً: “إن اردتموها حرباً مفتوحة فلتكن حرباً مفتوحة”، وبين تلميذ ثانوي يمكنه أن يكشف خريطة كاملة للحصار الأميركي الغربي العربي الإسرائيلي على الطائفة، وخطتها لمواجهة هذا الحصار، وتحطيمه شر تحطيم.

والطائفة هي الوحيدة، لبنانياً، التي تتمتع بالاكتفاء الذاتي السياسي. فأشد المعارضين للحزب والحركة، أعلاهم صوتاً، أشرسهم، هم إعلاميات وإعلاميون ومثقفون وناشطون شيعة. وهؤلاء ليسوا أبناء عاقين بالضرورة، وعلى الأقل يعرفون في الذي يحكون عنه، وقادرون على إثارة حنق الثنائي أكثر بمراحل من بولا يعقوبيان مثلاً.

الطائفة الإكزوتيك هذه قابضة على المجد والجمر معاً. يتناثر المشاهير فيها على كل أطياف قوس القزح. منها خرجت هيفا وهبي، لترد على من يختصر الشيعة بالتشادور، وفيها ترعرع ونشأ ونشط نوح زعيتر. نقيضان تامان، لكن نجمين بلا منازع. وقلب الطائفة يتسع لهما معاً، كما يتسع معهما لنجم ثالث يتحرك في جماعات، كطيور السنونو المهاجرة على دراجات نارية، هاتفاً الهتاف الأشهر “شيعة شيعة شيعة”.

هؤلاء كانوا سنداً معنوياً ومادياً للثنائي في كل حروبه مع الطوائف، منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، القلعة الوحيدة التي لم تستطع الطائفة اختراقها هي كرة السلة. والأكيد أنها حين ستصل إليها، وستصل، ستعمل على تعديلها وتجعلها أكثر قابلية للاشتعال، والإثارة، وتصنع لها مشهداً أعمق كما اجتهدت طوال عقود، في ضخ الشغف النجماوي في عروق لعبة كرة القدم، وتحويل تشجيع النجمة إلى ما يشبه الإيمان العقائدي، دونه الفداء بالروح… بالدم.

تفوق الطائفة على زميلاتها، ليس ذنبها، كما ليس ذنب المسكينات حولها. صادفها حظ جيد وأساطير مؤسسة وأشخاص مناسبون في وقت مناسب، ونظامان إيراني وسوري بالطبع. زميلاتها اللواتي في حيرة من أمرهن، يفكرن بقطار ما ليلحقن بها، سيصبن بخيبة عميقة في الأمل، لقد ابتعدت عنهن كثيراً.

هن أمام بضعة خيارات قليلة أحلاها مر. الدخول أسفل الجلباب، كما في حالة رئيس الجمهورية وناسه، أو اعتزال الحياة الفنية، كما في حال سعد الحريري، أو اللجوء إلى التصوف، والتضرع للسماء كي تجد حلاً، كما في حال سمير جعجع، أو يكون آخر الدواء الكي، أي قصف الطائفة ليل نهار بالتغريدات على تويتر. وهذه جبهة يقودها فارس سعيد وحده كساموراي أخير. جبهة ضعيفة إلى درجة يمكن معها تكليف شاعرة ومغنية صاعدة، مثل رملاء نكد، بالرد عليها وإسكاتها.

في العمق ما كانت تلك الطائفة لتصبح الطائفة الاكزوتيك لولا الدعم المادي الخارجي، والدعم المالي الداخلي، والتهرب الجمركي، وتصنيع والاتجار بالكباتاغون، والشبكة العنكبوتية الامنية والمظلة القضائية والعدلية القادرة دائما على قلب الاسود ابيض والعكس صحيح. المال يصنع العجائب، فكيف اذا اقترن المال بالخدمات وغياب الضوابط والروادع الاخلاقية والانسانية والاجتماعية، فطبعا تكون العجيبة طائفة اكزوتيك.