لعقود خَلَت، دَفَعَ مزارعو التبغ أثمان الأوهام التي زُرِعَت في عقولهم حول ارتباط زراعة التبغ بالمقاومة والصمود والتمسّك بالأرض. فليس في هذه الزراعة سوى التعب والقهر والحرمان. أما إدارة حصر التبغ والتنباك فلا تستلم التبغ من المزارعين بأسعار منصفة. والدولة تُغَيِّبُ نفسها وكأن شيئاً لم يكن. وباستثناء قلّة من المحظيين الذين يستفيدون من مجموعة تراخيص لزراعة التبغ، يتمنّى أغلب المزارعين التخلّص من هذا الثقل في أقرب وقت ممكن، خصوصاً في ظل الأزمة الراهنة. لكن الريجي، وفي خطوة لافتة، قرّرت استلام محاصيل العام الحالي بالدولار النقدي، وفق ما أكّده المدير العام للريجي، ناصيف سقلاوي.
بين شهريّ أيلول وتشرين الأوّل، يبدأ المزارعون في تسليم محاصيلهم للريجي. وقبل العام 2019، كانت الريجي تحدّد أسعار كيلو التبغ بين 11 و14 ألف ليرة بالحد الأقصى. وعدّلت الأسعار في محاولة للتقليل من تأثير انخفاض سعر الليرة، فتسلّمت الريجي في العام الماضي كيلو التبغ بما يتراوح بين 40 و44 ألف ليرة. وكما في كل قطاع تلعب الواسطة دوراً في إكساب المحظيين مبالغ أكبر من باقي المزارعين. قبل الأزمة كان البعض يحصل على 14 ألف ليرة في الكيلو، وهو مبلغ مرتفع. وفي العام الماضي حصل البعض على 50 ألف ليرة.

وأمام إعلان سقلاوي تسلّم المحصول بالدولار النقدي، يؤكد احد المزارعين أن “القرار ممتاز، لكن العبرة في احتساب الدولار وفق سعر السوق”. ويضيف أن “هناك حديث عن احتساب الكيلو بنحو 4 إلى 4.5 دولارات، وهي قيمة جيّدة إذا احتسبت بسعر السوق. أما أقل من ذلك، فهو أمر غير مقبول، لأن أكلاف المزارعين من أسمدة وأدوية وأجرة فلاحة الأرض، تُدفّع بدولار السوق، باستثناء أجرة اليد العاملة، تدفع بالليرة، لكنها ليست بقيمة بسيطة بالنسبة للمزارعين. فالأجرة اليومية للعامل كانت 25 ألف ليرة قبل انهيار الليرة، وأصبحت اليوم نحو 200 ألف ليرة”.

الصفة المبدئية لقيمة الدولار المنتظرة، تحيل إلى إمكانية دفع الدولار على سعر صرف 17 ألف ليرة، وهو ما يُشاع بشكل غير رسمي. وبين السعرين، تقبع ذكريات متكرّرة عن التفاوت في تقدير كلفة الكيلو بين مزارع وآخر، وهي عملية لا تحصل دائماً بالاستناد إلى نوعية التبغ، بل إلى المحسوبيات. والعائد القليل لهذه الزراعة، والمنقوص بفعل المحسوبية، لا يكفي لإعالة المزارع الذي يكتفي بترخيص واحد للزراعة. فالترخيص يتيح زراعة 4 دونمات، تُنتج نحو 400 كيلو من التبغ. وعدم الكفاية، يُجبر بعض المزارعين على الزراعة بصورة غير شرعية، أو اللجوء إلى الحصول على رخص إضافية بالاستعانة بأسماء الأولاد، فيصبح كل فرد من العائلة بمثابة مُزارع منفرد، لتحصل العائلة في النتيجة على نحو 2000 كيلو، لتتمكّن من العيش في الظروف الراهنة.