لكأن البلاد على مشارف حرب أهلية. أو هناك من يريد الاستثمار سياسياً بما قد ينتج عن معارك التقاتل العسكري. الصراع الذي يعيشه لبنان سياسياً يتجاوز أي حدود للمنطق. من ملف ترسيم الحدود إلى ما يليه. فما أن أُعلن عن الاتفاق حتى بدأ التقاتل بين الشخصيات السياسية حول هوية صاحب الإنجاز فيه.

يريد عون وباسيل استعجال قطف ثمار اتفاق الترسيم و”تقريشه” سياسياً، وسط رهان بأنه سيتيح لهما الحركة بحرية أكبر مع الغرب. حزب الله أيضاً يعلم أنه لا بد أن يكون لذلك تداعيات سياسية تفتح له آفاقاً جديدة. بالارتكاز إلى هذا الاستعجال هناك من يعتقد أن الوقت حان للدخول في مرحلة جديدة من مراحل تطوير النظام أو تغييره. فعون وحزب الله لطالما التقيا على مواجهة اتفاق الطائف. وعون وباسيل لا يزالان يعلنان ضرورة تغييره.

على وقع هذه التطورات، هناك أسئلة كثيرة تطرح حول مصير لبنان، وكيفية إنجاز الاستحقاقات الدستورية. وهل سيتمكن اللبنانيون من إنجازها أم أن الانهيار والتعطيل والفراغ سيقودان إلى مؤتمر تأسيسي يعيد تركيب الصيغة بكليتها.
مع دعوات سابقة لعقد مؤتمر دولي لحلّ الأزمة اللبنانية، برز الكلام عن التحضير لعشاء في السفارة السويسرية، يكون تمهيدياً لعقد لقاءات بين نواب من مختلف الكتل النيابية في سويسرا الشهر المقبل، لمناقشة الأزمة اللبنانية وكيفية معالجتها.

استنفر العشاء الكثير من الشخصيات لا سيما في الوسط السنّي. مواقف متضاربة فيها تخوين واستنكار لتغييب جهات، ما دفع بالبلاد إلى معايشة المزيد من أجواء الانقسام. هذا يعني أن الظرف لم يحن بعد للبحث بمعالجة جديدة للصيغة اللبنانية. لا مقومات لعقد مؤتمر دولي لتركيب النظام السياسي أو للبحث في طروحات مشابهة للفيدرالية أو اللامركزية المالية الموسعة. هنا لا بد من الإشارة إلى الوزن السعودي والذي بإمكانه أن يحقق ثقلاً لا يمكن تجاوزه أو استثناؤه. ثمة من يعتبر أن التحرك السويسري لم يكن ليحصل لو لم يكن هناك تنسيق مع قوى دولية أخرى كالولايات المتحدة وفرنسا وحتى الفاتيكان.
يمكن للموقف السعودي أن يجهض مثل هذه التحركات، وكان لدى السعودية تجربة مشابهة تاريخياً في لبنان بإسقاط الاتفاق الثلاثي. استعجل بعض اللبنانيين الذهاب إلى قطف ثمار الترسيم فهناك من يعتبر أنه بالإمكان تكرار السيناريو الذي حصل في العراق في الفترة الأخيرة، والذي يوضع في خانة التفاهم الإيراني الأميركي على انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس للحكومة، فيما تبدو السعودية خارج تلك المعادلة.

منير الربيع للمدن