الأزمة الأخيرة بين قناة الجديد وأبناء البيئة الجنوبية على خلفية “اسكيتش” ساخر اعادت النقاش حول أزمة البرامج الكوميدية على الشاشات اللبنانية، التي انزلق بعضها الى الإساءة للنساء، وفشل في الحفاظ على الحد الفاصل بين الهزال والتنميط، وذهب البعض بعيداً في التعميم أو التسليع.
يتحرك اللبنانيون عندما تصيب سهام الكوميديا الطوائف، بما يتخطى أي تحرك مشابه عندما تطاول الانتقادات واقع النساء اللبنانيات. ولعل رصد النقاش الأخير حول أزمة اسكيتش “الجديد”، يعيد الى الأذهان أزمة مشابهة مع الممثلة نفسها (جوانا كركي) عام 2018، عندما قدمت “اسكيتشاً” رأى البعض فيه إساءة للمرأة السنّية، وذلك عندما قدمت شخصية “إم خالد”.
الذهاب الى المدى الأقصى في النكات، يغذي صورة نمطية تُستخدم فيها “المرأة”، أياً كانت طائفتها، لتحفيز الضحك. وتتنوع الشخصيات، من الشخصيات المناطقية التي تعكس بساطة النساء، الى عاملات الجنس، والنساء المتمكنات من الإيقاع بالرجال، الى الباحثات عن الأثرياء، والقادرات على جذب الرجل النافذ في أماكن العمل.. تفضي تلك الشخصيات والافتعالات الساخرة الى واقع واحد، هو تكريس المرأة كمادة ساخرة، يجري توظيفها في السياسة والاصطفافات.
في بلد مثل لبنان، تتقاسم الطوائف مشاعر القلق من الآخر، وتترصد “الاستخفاف” أو “التهشيم”، كما ظهر في تصريحات رجال دين عقب الأزمة الأخيرة، وترى في أي عرض كوميدي فرصة للانقضاض على الطائفة، وضرب صورتها، والإساءة الى مقدساتها، وهو ما ينتج هذا الجدل الذي شاهد اللبنانيون فصوله على مدى أسبوع، وتراجع الجدل حوله بلا إعلان عن تسويات أو اتصالات، بلمسة ساحر.
لا يرى أهل الجنوب في الفيديو حرية تعبير، بل “إهانة”. تمت تغذية هذا الشعور بتسويق الكتروني، برزت فيه فيديوهات تضع المرأة الجنوبية في كادر “المناضلة” و”أم الشهداء” و”الفدائية” و”الفلاحة” وربة الأسرة… وإذا كان الاتهام لـ”الجديد” بالتنميط، فإن الرد أيضاً ليس بريئاً من تنميط مقابل.
في الهجوم والرد، وقعت المرأة “ضحية” محتوى كوميدي غير مدروس. ما زال الإعلام يرى فيها “العنصر الأضعف”. تدور النقاشات ضمن بيئة مناطقية، وتقتطع في الوقت نفسه البُعد النسوي من اي مقاربة. يطرح البعض سؤالاً عما إذا كان السخط سيكون مماثلاً لو تمت الإساءة لنساء من مناطق مختلفة؟ ويُردّ على السؤال عما إذا كانت “الجديد” أو أي قناة لبنانية أخرى ستطبّق المقاربة نفسها على نساء يتحدرن من مناطق أخرى!
البُعدان المناطقي والطائفي ما زالا محرّكَين للثقافة الحقوقية التي، من دونها، لا هوية إعلامية للمرأة اللبنانية خارج البُعدين الأخيرين!
ريم خازم