مرة جديدة تجد بكركي نفسها مربكة. تقف وسط صراعات القوى المسيحية المكررة. تحاول دفعهم إلى التوافق على رئيس للجمهورية، كمدخل إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد من بلد يتهالك. بين الموقف المطلوب من الموقع، وبين واقع المواقف والانقسامات المسيحية، لم يجد البطريرك بشارة الراعي سوى الصلاة سبيلا لجمع النواب المسيحيين.

وعد برسالته أن يتم وضع برنامج يوزع لاحقاً عليهم. إلى اليوم لم يصل البرنامج، وسط تساؤلات “خبيثة” لبعض النواب ممن سيشاركون، عما إذا كان البرنامج يتضمن “عدد صلوات المسبحة ورتبة التوبة أم رتبة السجود”!
يعرف الجميع ان دعوة بكركي “للصلاة والتوبة” تورية لدعوة شائكة ومتعذرة، للبحث في مآل الانتخابات الرئاسية.
يراهن الراعي أن يتساوى “الشكل” مع “المضمون”، فتعطي الصورة الانطباع المنشود. لكن التدقيق في لقاءات سابقة للقوى المسيحية، أحزاباً ونواباً، في بكركي في لحظات مفصلية لا تبشّر بإمكانية إنضاج تسويات مربحة.
عام 1992 كان البطريرك صفير ميالاً إلى الدعوة لمقاطعة الانتخابات النيابية المعلّبة من النظام السوري. وكان يريد استمزاج آراء النواب المسيحيين. يتفاجأ البطريرك بوصول جميع النواب المحسوبين على النظام السوري ومن بينهم ميشال المر وإيلي الفرزلي وأسعد حردان، الذي كان يزور بكركي للمرة الأولى. لم يتوانَ يومها صفير عن استخدام أسلوبه “المرّ” في الاستفسار منه كيفية استدلاله على الصرح، انتهى اللقاء ولم يتغيّر شيء.
مرة أخرى عقدت بكركي، قبل مؤتمر الطائف، اجتماعاً موسعا للأحزاب والقوى السياسية، بعد أن أرسل الرئيس حسين الحسيني مشروع اتفاق وطني لإعطاء البطريرك رأيه فيه. دعا صفير ممثلين عن الأحزاب والقوى المسيحية ليدرسوا تفاصيله ويعلقوا عليه. من بين هؤلاء ممثلون عن الكتائب والقوات و”تجمع الموارنة المستقلين”، وبعد أن أكد عون مشاركته لم يصل ممثله إلى بكركي. فكانت النتيجة: لا توافق.
في زمن التحضير للطائف كان النواب يتداعون إلى لقاءات متكررة في بكركي لأكثر من مرة. وكان ما كان في 13 تشرين الأول، وإسقاط ميشال عون وإخراجه من بعبدا. واستمر الانقسام المسيحي واستعر.
صحيح أن خطوة الراعي اليوم سابقة في التاريخ الحديث، أن يدعو بطريركاً سياسيين إلى “الصلاة والتوبة”. لكن فات الراعي أن مؤمنين كثراً يتماهون مع تراتيل كنسية ويفضلون صلوات على أخرى.
فترنيمة”رفعت عينيّ إلى السماء من حيث يأتي عوني” ينشدها “العونيون” بحماسة استثنائية، فيما ترشح الحرارة من مناصري القوات اللبنانية وهم يرنمون “يا رب القوات كن معنا فليس لنا في الضيقات معين سواك”. فعن إي إجماع يبحث الراعي؟