فيما يرى كثر أن زيارة وزير خارجية سوريا فيصل المقداد إلى الجزائر تندرج ضمن ردّة فعل نظام الأسد على إخفاق لقاء جدّة في التوصل إلى تفاهمات لإعادة نظامه إلى جامعة الدول العربية، يريد نظام دمشق توجيه رسالة لمجلس التعاون الخليجي إضافة إلى مصر والأردن والعراق، بأن دمشق باتت أبوابها تُطرق من أكثر من جانب، وأن الآفاق الدولية تزداد انفتاحاً إضافة إلى أن الأسد ليس من يبحث عن طوق خلاص له، بل عاد ليكون محجة العرب ومعقد آمالهم في استعادة التضامن وتوحيد الجهود لمواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة، كما تحمل تصريحات المقداد من الجزائر.
ما عزز نظرية النظام الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الى دمشق وما أوردته صحيفة القبس الكويتية عن نية وزير الخارجية الكويتي زيارة دمشق.
ويمكن للمتمعّن في السلوك السياسي والدبلوماسي لنظام الأسد، أن يدرك بسهولة حالة توحي بالثقة العالية بالذات تماهياً مع نهجه المعهود القائم على التعالي وممارسة المزيد من الابتزاز والعنجهية حيال علاقاته العربية، إذ ربما يجد ما يتيح له أن يستعيد توازنه السياسي للخروج من حالة اليتم والقطيعة، ليتحكم في صياغة علاقاته الدولية والإقليمية، وليس مجرّد نظام ينتظر الشفقة من الآخرين.
يستمد قوته من شعوره بأنه لم يعُد يخشى خسارة المزيد، فهو بعدما ارتكب جميع الموبقات ووُصف بأقذر النعوت، اليوم يشهد تبرئته منها بيسر وسلاسة. لم تطلب الدول العربية منه تقديم أي تنازل، وأقصى ما بات يُطلب منه إجراءات ذات مضامين إنسانية كالإفراج عن المعتقلين وإعادة اللاجئين، وهي مطالب ربما أثارت لدى الأسد مشاعر الغبطة والعظمة الزائفة باعتباره المنتصر الذي يُلتَمس منه العفو عن خصومه.
لا يمتلك القادة العرب المزيد من أوراق الضغط التي من شأنها تنفيس غروره المُستعاد، إذ لا يخفى على الجميع أن بشار الأسد ذراع إيران يستمد قوته من الدور الوظيفي الذي يقوم به كامتداد للرعب الإيراني في المنطقة.
الاندفاعة تجاه نظام أقصى ما يمكن ان يقدمه للعرب شحنات جديدة من الكبتاغون، مؤشر على قراءة خاطئة حول متطلبات الحل في سوريا، فهم يرون أن بقاء الأسد يضمن وحدة سوريا وهويتها العربية، وهذه قراءة لا تأخذ بعين الاعتبار أن النظام سبب المشكلة والمسؤول عن زعزعة الاستقرار في المنطقة، وعن إدخال قوات أجنبية وميليشيات طائفية إلى سوريا، متجاهلين أن التسويات في الأزمات الدولية تتوفر فيها ضمانات الحد الأدنى من مصالح الأطراف المنخرطة فيها، إلا تلك التسويات التي يفرضها المنتصر على المهزوم.
العقيد عبد الجبار العكيدي