خرج وفد المودعين يوم أمس من مكتب حاكم مصرف لبنان بالإنابة، وسيم منصوري، مطمئناً على تعديلات مقبلة أكثر إنصافاً وعدالة بحق أموال المودعين. ولعل ذلك الاطمئنان يعود إلى إيجابية منصوري وتلقّفه مطالب الوفد، وإطلاق العديد من الوعود، التي إن تم الوفاء بها ستشكّل متنفساً لكل مودع بعد 4 سنوات من الظلم والقهر.
لكن وعود منصوري فيما لو تم التدقيق بها، قد لا نخرج سوى بنتيجة واحدة هي استبدال التعميم 151 المجحف بحق المودعين بإجراءات أخرى تبدأ بهيركات للودائع بنسبة 60 في المئة وتنتهي بتذويب ما تبقى من ودائع تعود للأعوام ما قبل 2019.
إلغاء التعميم بتعميم
أصر منصوري خلال لقائه بوفد المودعين على اعتبار التعميم 151 المتعلّق بالسحوبات النقدية على سعر 15000 ليرة “بحكم الملغى” مستنداً بذلك إلى مشروع موازنة 2024 الذي يعتمد بالعديد من جوانبه سعر دولار منصة صيرفة أي 85500 ليرة (حالياً). وبالتالي، سيُلغى سعر دولار الـ15000 ليرة، أي اللولار.
وحسب ما نُقل عن منصوري، فإن سعر الـ15000 ليرة للدولار سيلغى. كما سينسحب أيضاً على ميزانيات المصارف التي تحتسب حالياً على سعر 15000 ليرة. وكل ذلك يأتي بعد إقرار موازنة 2024 في مجلس النواب.
في وعود منصوري العديد من المغالطات، أولها أن التعاميم 151 المتعلّق بالسحوبات النقدية باللولار، أو 158 المتعلّق بسقف السحوبات الشهرية بالدولار، أو سواها من التعاميم التي صدرت عن حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة مباشرة، من دون تغطيتها بقوانين نافذة. وعليه، يمكن إلغاؤها وتعليق العمل بها أو تعديلها بموجب تعاميم مماثلة تصدر عن الحاكم الحالي وسيم منصوري. بمعنى آخر لو أراد منصوري تعديل التعميم 151 أو 158 لأصدر تعميماً آخر وعدّل سعر اللولار على أساسه أو سقف السحوبات النقدية من المصارف.
من هنا لا يمكن قراءة وعد منصوري تعديل التعميم 151 وربطه بإقرار موازنة 2024 سوى تهرّب من المسؤولية ورميها على وزارة المال ومجلس النواب.
أما ثاني المغالطات فيكمن في تجاهل ربط عدد من مواد الموازنة العامة بسعر 40 في المئة من سعر منصة صيرفة أي قرابة 34200 ليرة حالياً. فمشروع الموازنة العامة المرتقب إقرارها يعتمد سعرين للدولار. الأول، دولار منصة صيرفة. والثاني، 40 في المئة من دولار صيرفة. وبالتالي، فإن إقرار موازنة 2024 لن يكون حاسماً لجهة سعر الدولار المعتمد لدى المصارف كما يدّعي منصوري.
اللولار 34200 ليرة
واللافت أن بموجب مشروع الموازنة يمكن للمكلّفين سداد الضرائب والرسوم من حساباتهم باللولار بسعر 40 في المئة من دولار منصة صيرفة. بمعنى آخر، يمكن سداد الضرائب من الحسابات المصرفية العائدة لما قبل تشرين 2019 باللولار بقيمة 34200 ليرة. من هنا سيصبح سعر اللولار مزدوجاً. الأول، 85500 ليرة. والثاني، 34200 ليرة. وعليه، سيقع تمييز بين المودعين فيما لو صدّقنا وعد منصوري بأن اللولار سيصبح على أساس دولار منصة صيرفة. إذ سيخضع مسددو الضرائب من الودائع لهيركات بقيمة 60 في المئة على أموالهم العالقة في المصارف.
من هنا يبدو واضحاً أن ربط منصوري وعده المتمثّل بإلغاء التعميم 151 بإقرار موازنة 2024 ليس سوى هروب إلى الأمام، خصوصاً أن تحديد سعر صرف الدولار المصرفي منوط بمصرف لبنان والمصارف.
ويستغرب مصدر مصرفي تصريح منصوري فيما خص الدولار المصرفي، ووعده برفعه إلى مستوى دولار منصة صيرفة بعد إقرار الموازنة. ويقول المصدر إن المصارف قد تتجه إلى تعديل الدولار المصرفي (اللولار) ربما كما هو مقترح في موازنة 2024 أي بنسبة 40 في المئة من منصة صيرفة، خصوصاً في حال تدخل مصرف لبنان لتغطية السيولة. لكنها من غير المتوقع أن ترفع سعر اللولار إلى مستوى منصة صيرفة.
حتى التعميم 158 الذي يجيز حالياً سحب 300 دولار نقداً لكل مودع، يمكن للحاكم الحالي تعديله ورفع سقف السحوبات فيما لو أراد ذلك فعلاً، غير أنه هو الآخر ربطه بإقرار قانون إعادة هيكلة المصارف العالق في حلقة التجاذبات منذ أعوام.