في تقريرٍ سابق، تحت عنوان: “بؤس مخيماتهم يستفحل: اللاجئون أمام “العودة” القسريّة أو الغرق”، تحدثت “المدن” عن عودة قوارب “الموت” المُنطلقة من السّواحل اللّبنانيّة وتحديدًا الشّماليّة باتجاه أوروبا وغالبًا قبرص، ذلك في أعقاب موجة تضييق وعنصريّة بحقّ اللاجئين، انفلتت من قالبها التّقليديّ طوال إثني عشر عامًا، لتكتسب السّمة العنيفة، أكان بالتّرحيل القسريّ أو بالانتهاكات، في لبنان ودول الجوار، إقليميًّا.
هذا الواقع، الذي فرض على دول أوروبيّة عدّة ومن جملتها قبرص، التّي دخل إليها مئات المهاجرين غير الشرعيين من الجنسيّة السّوريّة، والهاربين من لبنان، إلى التّوجس من موجة الهجرة الأخيرة، ما دفع الحكومة القبرصية رسميًّا للمطالبة وأمام الاتحاد الأوروبيّ، بمراجعة وضع سوريا، إن كانت ما زالت غير آمنة ولا يمكن إعادة طالبي اللجوء إليها، على اعتبار أن تزايد المشاعر المعاديّة للمهاجرين في الجزيرة المتوسطيّة، قد يؤدي إلى انتهاكات جمّة بحقّ اللاجئين.
السّلطات القبرصيّة المستنفرة
وقد أكدّ وزير داخليتها، كونستانتينوس يوانو، أنه سيحاول إقناع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بإنهاء وضع سوريا كدولة غير آمنة لا يمكن إعادة اللاجئين إليها. وأكّد “أننا، كقبرص، نعتبر ونرى، إلى جانب الدول الأعضاء الأخرى، أنه من المفيد إعادة تقييم وضع سوريا”، موضحًا أنّ الاتحاد ترك وضع سوريا من دون تغيير مدّة 11 عامًا، وهناك حاجة إلى مراجعة ذلك، لأن بعض المناطق تعدّ فيها آمنة.
مُضيفًا: “هناك بالفعل منطقتان تعترف بهما وكالة اللجوء بالاتحاد الأوروبي (EUAA) على أنهما منطقتان آمنتان، لذا، يجب الآن أيضًا الاعتراف بذلك على مستوى الاتحاد الأوروبي، مما يسمح لنا بترحيل الأشخاص أو إعادتهم إلى سوريا. في الوقت الحالي، لا يمكن لأي دولة أن تفعل ذلك”.
وتبين أنه وفي الرسالة التّي أرسلها يوانو إلى نائب رئيسة المفوضيّة الأوروبيّة، مارغريتس سخيناس، قد سلّط الضوء أيضًا على الحاجة الملحّة لمساعدة لبنان الذي لجأ إليه نحو 2.5 مليون سوري. وأشار إلى أن “المعلومات المتوافرة لدينا من السلطات في لبنان هي أن هناك زيادة في عدد السوريين الذين ينتقلون إلى لبنان، ولبنان حاجز. إذا انهار لبنان، فستواجه أوروبا بأكملها مشكلة”.
لبنان: السّد المنيع؟
ولما كان لبنان -الغارق في أزماته المتناسلّة- والذي ينوء بحمل ملف اللاجئين السّوريين، وحده دون تدخل أوروبيّ- أمميّ جديّ وعملانيّ، وسط تخبطات سياسيّة، ونزعة شعبيّة لإلقاء اللّوم على السّوري في استفحال الأزمات، قد أطلق منذ مطلع العام الحاليّ، حملات أمنيّة عدّة راميّة لتضييق الخناق على اللاجئين وترحيلهم قسرًا وبالآلاف، فيما يأنف المجتمع الدوليّ عن عرض المساعدة اللازمة، مكتفيًا بتسجيل الانتهاكات واستنكارها..
أما اليوم، فيحاول لبنان الرسميّ تدارك واقع حدوده المفتوحة على مصراعيها وإقفالها بوجه المهاجرين الاقتصاديين من سوريا، والتّغاضي بالمقابل ولو بصورة مواربة عن الشواطئ التّي تنطلق منها عشرات القوارب غير الشرعيّة، وكان أبرز دليلٍ على ذلك، نجاح المئات من اللاجئين في الوصول إلى قبرص عبر البحر، الشهر الماضي، فيما أعادتهم السّلطات القبرصيّة إلى لبنان، الذي رحلهم بدوره إلى الداخل السّوري.
وعلى هذا الأساس، فلا غرابة في أن تعتبر الدول الأوربيّة لبنان “السّد المنيع” الذي يحول دون تدفق الآلاف المؤلفة من اللاجئين باتجاه دولها، وسط تخاذلها عن تقديم أي حلّ مرضٍ للصراع السّوريّ، أو موقف حاسم من نظام الأسد وجرائمه، أو خطّة عمليّة لتنظيم التغيير الديمغرافي الحاصل في العالم الذي يموج بملايين اللاجئين السّوريين، والأوكرانيين، ومن أفريقيا، السّودان وليبيا.. معبرةً عن توجسها من انفلات الوضعيين الأمنيّ والاقتصادي، في لبنان، ما قد تتحمل هي تبعاته لاحقًا، لتستيقظ أخيرًا بعد حيادٍ طويل، لتعيد تقييم وضع سوريا، الآن.
نظام الأسد
أما الأسد -المُنزه عن المساءلة- وحلفاؤه من الروس والإيرانيين، فلم يشعر حتّى حينه بأيّ ضغطٍ جديّ من الخارج، وحتّى من المجتمع العربيّ (القلق من ملف اللاجئين) والذي انفتح عليه مؤخرًا، بل استفاد من الضبابيّة الإقليميّة والدوليّة، لتحويل هذا الملف إلى مادة تفاوض، لابتزاز المجتمع الدوليّ وحثّه على المساهمة في مشروع الإعمار، كما ولبنان الذي يحاول بشتّى الطرق دفعه للتطبيع الكامل تحت ذريعة اللاجئين، ما يعني عودة “الوصايّة” وترجيح كفّة حلفائه أكثر في الداخل.
المُعارضة السّوريّة
وفي سياقٍ مُتصل، وتنديدًا بالانتهاكات التّي تطال اللاجئين السّوريين في لبنان، من قبل السّلطات الأمنيّة والتجمعات الشعبيّة، أدان الائتلاف الوطنيّ السّوري لقوى الثورة والمعارضة في بيان، أمس السبت 16 أيلول الجاري، هذه الانتهاكات، وقال في بيانه: “إن بعض اللاجئين تعرضوا للشتم والضرب وتخريب الممتلكات الخاصة، وألواح الطاقة الشمسية، ومصادرة أجهزة الاتصالات والأجهزة الشخصية في مناطق قضاء بعلبك، قضاء زحلة، قضاء البقاع الغربي”.
وطالب الائتلاف الوطني بالتدخل السريع والمباشر من قبل المفوضية الّسامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمات الأمم المتحدة ذات الصلة، من أجل إنقاذ اللاجئين السوريين وإيقاف جريمة وشيكة في حال تم ترحيلهم إلى مناطق سيطرة نظام الأسد. وأضاف أن عشرات التقارير والتحقيقات أكدت تعرض المرحلين قسراً من اللاجئين إلى الاعتقال والتعذيب، الذي يؤدي إلى الموت في كثير من الحالات. كما طالب الحكومة اللبنانية بإيقاف الحملة مباشرة والالتزام بحقوق اللاجئين والقوانين والأعراف الدولية، والقيم والمبادئ الإنسانية، التي تضمن حق اللاجئ في العيش الآمن والرعاية التعليمية والصحية وعدم الترحيل القسريّ.
فيما ذكر أن “وجود السوريين في لبنان هو وجود اضطراري، حيث نزحت آلاف العائلات إلى لبنان بعد الجرائم التي ارتكبتها ميليشيا “حزب الله” اللبنانية بالتعاون مع قوات النظام والميليشيات الإيرانية، بحق السوريين في منطقة القصير ومناطق متفرقة من محافظات دمشق وريف دمشق وحمص”. مؤكدًا: “أن سوريا ليست بيئة آمنة لإعادة اللاجئين بوجود نظام الأسد، والعمل على ترحيلهم هو مشاركة حقيقية بجريمة حتمية”.