اثبتت مجريات اجتماع اللجنة الخماسية في نيويورك امس وما تمخض عنها من مواقف وتسريبات أن الامور “مش ماشية” بين واشنطن وباريس في ما يتصل بمقاربة الملف الرئاسي اللبناني ونتائج مهمة مفوض الخماسية الموفد الفرنسي جان ايف لودريان اثر ثلاث زيارات متتالية الى بيروت، اذ طالبت ممثلة الولايات المتحدة باربارا ليف فرنسا بوضع وقت محدد للفراغ الرئاسي، في حين حذر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني من الفراغ السياسي واكد، في كلمته في الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الـ 78 للأمم المتحدة ان “في لبنان الشقيق حيث أصبح الخطر محدقاً بمؤسسات الدولة، نؤكّد على ضرورة إيجاد حل مستدام للفراغ السياسي وإيجاد الآليات لعدم تكراره، وتشكيل حكومة قادرة على تلبية تطلعات الشعب اللبناني والنهوض به من أزماته الاقتصادية والتنموية، فمن المؤسف أن يطول أمد معاناة هذا الشعب الشقيق، بسبب الحسابات السياسية والشخصية”.
فعلى غرار الانقسام السياسي العمودي اللبناني، تبدو الخماسية انشطرت بين محورين اميركي- قطري –سعودي، وفرنسي- مصري، فيما الكلمة الفصل رئاسيا تملك مفتاحها الى جانب كل هؤلاء ايران، وفق ما تؤكد اوساط سياسية متابعة لـ”المركزية” ولا يعتقدّن احد ان اي تسوية يمكن ان تبصر النور الا بمباركة اميركية- سعودية ايرانية. واذ تنقل عن مسؤول فرنسي معني بالملف اللبناني قوله “ان سليمان فرنجيه يبقى خيارا جديا لانه يحظى بدعم الثنائي الشيعي”، تشير الى انه سيبقى خيارا صحيح، الا انه لن يرتقي الى المرتبة الرئاسية ، ذلك “ان ثنائي امل- حزب الله طرحه اساسا ورقة مقايضة قوية ولم يرشحه لايصاله الى بعبدا، وفق ما تبين من طريقة ترشيحه وتبنيه المخالِفة لترشيح الرئيس ميشال عون قبل سنوات، حينما رفع شعار “عون او لا رئيس” في حين ان شعاره اليوم “تعالوا لنتحاور”. تبعا لذلك، تتهم اوساط دبلوماسية غربية بعض اعضاء خلية لبنان في الاليزيه بتوريط فرنسا في دعم فرنجية ” لانهم لم يجيدوا قراءة موقف القوى السياسية اللبنانية التي تطرحه لتقبض الثمن الاعلى بتخليها عنه ليس الا .. وتوازيا، لا تخفي الاوساط اياها عتبها على بعض اطراف المعارضة التي لم تلتزم وعدها، فعمدت الى انتقاد خطوة لودريان بتوجيه اسئلته الى القوى السياسية بعدما شجعته على الخطوة ابان اجتماعها معه خلال زيارته الثانية للبنان. في الحالتين تردف الاوساط تورطت فرنسا وموفدها باللعبة اللبنانية الداخلية وعوض ان تجد الحل انغمست في المشكلة.
الزيارة الرابعة للودريان لا بد ستكون الاخيرة بحسب الاوساط. سيحضر الدبلوماسي الفرنسي الى بيروت ليعلن انه أعدّ الارضية للحل بوضع القاعدة والاسس، على ان يتولى الموفد القطري بعده تنفيذ السيناريو. فهل يكون المخرج بدوحة جديدة تفرّغ الطائف من مضمونه على غرار ما فرغه اتفاق الدوحة الاول فأعطى مكاسب سياسية للثنائي الشيعي لعل اهمها الثلث المعطل في كل استحقاق؟ تؤكد الاوساط في معرض الرد على تساؤلها هذا ان الفاتيكان والسعودية يقفان في المرصاد لأي محاولة من هذا النوع ، وتوضح ان البابا فرنسيس في خلال لقائه مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في 23 الجاري في مرسيليا سيقول له “كلاما تحذيريا” بهذا المعنى ، كما ان اجتماع السفارة السعودية للنواب السنّة مع لودريان شكل رسالة قوية في الاتجاه نفسه ، فالثمن السياسي الذي يطلبه الثنائي وتحديدا حزب الله تعويضا عن “تحرير الارض وطرد داعش وحماية لبنان والتراجع عن مرشحه وفق اعتقاده، وتاليا محاولة تشريع ما فرضه بالاعراف كمكتسبات للطائفة الشيعية ، لا ولن يحصل عليه بضرب النظام عن طريق فتح قناة حوار رئاسية في الشكل وجوهرها تعديل الطائف.
الخطر الاكبر على لبنان في الشغور السياسي عامة والرئاسة جزء منها لا كُل، تختم الاوساط، وهذا ما تنبه له امير قطر واشار اليه في خطابه وهو يعكس في المضمون رأيا سعوديا وموافقة اميركية ضمنية.