لبنان ينتقل من صدمة الى أخرى في الرهانات على القوى الخارجية لإنهاء الشغور الرئاسي. صدمة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان. وصدمة لقاء «الخماسية» العربية والدولية في نيويورك. والقادة المحليون يستحقون الصدمتين، بصرف النظر عن التفاوت الكبير في المواقف ومسؤولية القائد الفعلي للتعطيل. أولاً لأنهم إكتفوا بسياسة «الخندقة» في انتظار دور خارجي يفتح باب الخروج من المأزق. وثانياً لأنهم يعرفون اختلاف الأولويات في حسابات دول «الخماسية» ومصالحها، وأنها هي في إنتظار حوار آخر خارجها. وليس بعد الصدمتين سوى انتظار لودريان الذي وعد بالعودة قريباً الى بيروت.
لكن الوقت حان للإنتقال من سوريالية الرهانات على الخارج الى واقعية المسؤوليات المحلية. فالمشكلة في الداخل، وإن كانت مفتوحة على مشاكل خارجية. والأولوية في الحل هي للداخل، وإن احتاج الى مساعدة خارجية. اذ ليس هناك حل داخلي خالص، ولا حل خارجي خالص. فكيف تنجح القوى الخارجية في مساعدتنا اذا كنا نرفض الخروج من الخنادق والمواقف الجاهزة؟ ألا ينطبق على هذه الحال المثل القائل: «تستطيع ان تأخذ الحصان الى النهر، لكنك لا تستطيع إجباره على شرب الماء؟». وكيف تنجح القوى الداخلية اذا كان خيارها من النوع الذي يصطدم بجدار عربي ودولي أو بجدار داخلي؟
لا مهرب من العودة الى سؤال في العمق: هل المطلوب إنتخاب رئيس لجمهورية لا تعمل ام رئيس يقود مرحلة التعافي المالي والإقتصادي ويعيد الروح الى مؤسسات الدولة والحياة السياسية الديمقراطية؟ اذا كان المطلوب مجرد رئيس عاجز حتى عن إدارة الأزمة وصار من الممكن فرضه، فلا حاجة اليه، لأن الإنهيار يكتمل معه ومن دونه، والأزمة أصبحت وجودية فوق أبعادها السياسية والمالية والإقتصادية والإجتماعية. واذا كان المطلوب رئيساً لمرحلة التعافي، فإن «الخيار الثالث» الذي وصل اليه لودريان في نهاية طريق لخيارات فاشلة، وبدا «الثنائي الشيعي» متفاجئاً ومصدوماً به، يجب أن يكون الخيار الأول، لا الثاني ولا الثالث.
ذلك أن قصة الرئاسة لا تنتهي بالتصويت في المجلس النيابي. فماذا يفعل «محور الممانعة» اذا تمكن من المجيء برئيس يتجاوز المعارضة الداخلية له، لكنه يواجه أبواباً عربية ودولية مغلقة أمامه، فلا مساعدات ولا استثمارات ولا انفتاح على لبنان، ولا رعاية لمرحلة الوصول اللبناني الى استثمار الغاز والنفط، بعد ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بواسطة أميركية؟ وماذا يفعل المعارضون اذا تمكنوا من انتخاب رئيس لا يستطيع ان يحكم ولا ان يؤلف حكومة، لأنه يصطدم بثلاثة أسلحة في يد «الثنائي الشيعي»، وهي القوة، التمثيل المذهبي الكامل والتمسك بالمفهوم التحريفي للميثاقية؟
لا معنى، بطبائع الأمور لنفي الدور الداخلي لسلاح المقاومة الإسلامية. لا نائب من بين 27 نائباً شيعياً خارج «الثنائي». ولا تأليف حكومة من دون حصة «الثنائي» بعدما صارت الميثاقية بين المذاهب، لا كما كانت ويجب ان تكون بين المسلمين والمسيحيين بشكل عام.
والسؤال في النهاية هو: هل تطبق القيادات المثل الصيني القائل:» ما لا تستطيع تجنّبه، رحّب به»؟.
الكاتب: رفيق خوري
المصدر: نداء الوطن