يحسبها بميزان الذهب، فكل خطوة يخطوها يدقِّق فيها، تحضيراً وتنفيذاً وردات فعل، يتعاطى في الملف الرئاسي بطريقتين، طريقة البورصة، وطريقة لعبة الشطرنج، الشاشة أمامه، ورقعة الشطرنج على الطاولة. أمامه قائد الجيش العماد جوزاف عون، ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، ورئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية، مرشحه حتى اليوم هو فرنجية، وهو في حوار مع باسيل، ويلتقي على مستويين مع قائد الجيش، مستوى مسؤول التنسيق والارتباط الحاج وفيق صفا، ورئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد.

حين يتعثّر الحوار مع باسيل، يظهر خبر اللقاء مع قائد الجيش، وتكثر التحليلات أنّ «الحزب» رفع مستوى التمثيل مع اليرزة من صفا إلى رعد، يترك «الحزب» مخيِّلات المحللين تذهب بعيداً في تمنياتها وأمنياتها، وبعد شهر على اللقاء، يتولى وفيق صفا توصيفه، لا النائب محمد رعد، فيقول إنّ اللقاء ليس سياسياً، لماذا تأخر التوصيف شهراً؟ هل «الحزب» ممتعض من قائد الجيش؟ وما خلفية تسريب خبر أنّ قائد القوات الاميركية الوسطى زار مركزاً للجيش في الضاحية الجنوبية، قريباً من المقر الجديد للسفارة الايرانية؟

فجأة، ومن دون سابق انذار، تقول قناة «المنار» في مقدمتها مساء السبت الفائت «الحقيقةُ الوحيدةُ الثابتةُ على أرضٍ صلبةٍ أنَّ سليمان فرنجية هو المرشحُ الجِدِيُّ المُؤَيَّدُ من الثنائي الوطني». ماذا جرى؟ ولماذا التذكير بما هو معروف؟ هل المقصود بهذا الكلام أنّه موجّه «للكنّة» الداخلية لتسمعه «الجارة» لا بل «الجارات» الخارجية؟ هل المقصود بها قطر والسعودية؟ هل هناك تعثّرٌ ما بين السعودية وإيران من شأنه أن ينعكس تشدداً ايرانياً في لبنان؟ وهل هذا التشدد هو الذي يُترجَم بالعودة إلى التذكير بأنّ فرنجية هو «المرشح الجدي المؤيّد» من «الثنائي الوطني»؟

هذا هو المشهد بكل تعقيداته، وهذا ما يظهر على «شاشة البورصة الرئاسية» في حارة حريك، وما عدا ذلك إضاعة وقت، وملء الوقت الضائع، حيناً بالثرثرة السياسية التي لا تقدم أو تؤخر، وحيناً آخر بتبسيط الأمور وضرب مواعيد. بالتدرُّج، الرئاسة تتنقّل بين واشنطن والرياض وباريس والدوحة وطهران، واختزالها ببيروت فيه كثير من «المراهقة السياسية»، فطالما أنّ لا تقاطع كافياً بين هذه العواصم، فإن التقاطع الداخلي لا يعود ذات جدوى.

وبناءً على كل ما تقدّم، فإنّ شدّ الحبال قائم بقوة بين واشنطن وطهران، وهذا ما يتمظهر في التشدد المفاجئ الذي عاد إليه «حزب الله»، وهناك مَن يقرأ على «الشاشة السياسية» أحداث محافظة السويداء في سوريا، ودخول واشنطن على خط هذه الأحداث، من خلال الاتصالات التي تجريها بالمراجع الروحية لطائفة الموحدين الدروز فيها. هذا الأداء الاميركي يزعج النظام السوري ويتمدد هذا الانزعاج إلى حليفه اللبناني «حزب الله» الذي يقوم « بالمقتضى».

ولا تغيب عن بال المراقبين أيضاً حادثة اطلاق النار على احد مداخل السفارة الأميركية في عوكر، وعلى رغم ما كشفه التحقيق، فإنّ دوائر ديبلوماسية تعتقد أنّ اطلاق النار هو «دليفري سياسي» اكثر مما هو «دليفري عادي». في ظل كل هذه الاجواء المتشنجة، المتضرر الأول هو الاستحقاق الرئاسي، وحتى إشعار آخر، لا مؤشر ايجابياً في الأفق.

المصدر: نداء الوطن