لم يعد الأمر سراً. إن موجة النزوح السورية الأخيرة هي من صنع أيدي النظام في سوريا بالاشتراك مع “حزب الله” في لبنان. وقد أسهمت إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الأخيرة في كشف الجوانب المخفيّة من الجهة اللبنانية لموجة النزوح السوري. فالنظام في دمشق يدفع بالنازحين الى المغادرة ويسهّل لهم بواسطة أجهزته الأمنية والعصابات المرتبطة بها العبور من سوريا الى لبنان. وفي لبنان تتلقفهم عصابات لبنانية محمية إما أمنياً أو سياسياً.
ومن الواضح أن الموجة الأخيرة ليست أمنية، بمعنى أنها لم تطرأ بسبب أحداث عسكرية أو أمنية كبيرة حتمت على آلاف الشبان المغادرة والهروب من البلاد. وليست اقتصادية بدليل أن لبنان يعاني من أزمة لا تقل عن أزمة سوريا المالية والاقتصادية. والموجة ليست بداعي ركوب البحر بمئات القوارب من الشواطئ اللبنانية. إنها موجة لها هدف سياسي مالي ابتزازي من النظام وحلفائه أولاً تجاه العرب، وثانياً تجاه المجتمع الدولي. و”حزب الله” متواطئ مع النظام في عملية إغراق لبنان بموجة نزوح بعضها مسلح قد تشعل البلاد في أي لحظة.
وما دعوة السيد نصرالله في كلمته الأخيرة لفتح البحر أمام النازحين تحت شعار استدراج الأوروبيين الى عمل شيء والتهافت على أعتاب لبنان، سوى تغطية لهدف آخر، ألا وهو محاولة ابتزاز الخارج لرفع العقوبات عن النظام في سوريا.
هذا لن يحصل. وليس من مصلحة أحد، ولبنان أولهم، أن تُرفع العقوبات عن دمشق، أو أن يستكمل الانفتاح العربي بتدفقات مالية واقتصادية. لا بل أكثر، ليس من مصلحة لبنان أن تنتهي الاحتلالات في سوريا ما لم يتغيّر شيء في العمق على مستوى الحل السياسي الشامل. فرفع العقوبات عن نظام الرئيس بشار الأسد، أو انسحاب الأميركيين والأتراك وإنهاء الوضع الكردي الخاص في الشرق السوري ليس الطريق الصحيح لحل الأزمة السورية التي تنعكس على دول الجوار، وفي المقدمة لبنان والأردن. فمن دون ولوج مسار الحل السياسي الشامل في سوريا سيبقى الوضع على ما هو عليه.
بالنسبة إلينا نحن في لبنان، لم يعد خافياً على أحد أن الهدف من موجة النزوح السورية المستجدة هو التهيئة لحدث أمني كبير، في إطار عملية خلط الأوراق التي ينفذها النظام ومن خلفه يقف الإيرانيون ووكلاؤهم المحليون. فموجة تهريب المخدرات الى الجوار العربي عبر الأردن تشبه الى حدّ كبير موجة النزوح الى لبنان. إنها عملية ابتزاز وخلط أوراق في مرحلة تعثر الانفتاح العربي على دمشق، وفي وقت تجري فيه واشنطن وحلفاؤها تقييماً دقيقاً لوضع الحدود السورية العراقية التي تشكل قلب الممر الإيراني الذي يربط طهران ببيروت والضفة الغربية وغزة. وبالتالي من المهم أن يتنبّه العرب الى ما يحصل. ومن المهم أن لا يضيّع اللبنانيون البوصلة، ويفهموا أن النظام السوري و”حزب الله” يعدّان لحدث أمني خطير للغاية.
وإزاء الخطورة موجة النزوح الراهنة، يجب التفكير بعقل بارد، وتحديد الطرف السوري المتآمر، ومعه الطرف المحلي المتواطئ ضد بلده، وضد الشعب السوري على حد سواء. كما لا يجوز إغفال مسؤولية المجتمع الدولي، ولا سيما المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والوكالات الأوروبية، بسبب المقاربات الخاطئة التي تهدّد لبنان وجودياً.