بقيت أزمات الداخل اللبنانيّ حاضرة في طوايا المعادلة السياسية ولم يجعلها الاشتعال المحاذي في الأراضي الفلسطينية خارج التأجّج الحراريّ الحاصل، خصوصاً لناحية إشكالية الموجات الإضافية للنزوح السوري والإشكالات المنبثقة عنها وآخرها في منطقة المتن الشمالي.
ولم ينحسر حجم الاهتمامات المركّزة في الأروقة السياسية المعارضة على ضرورة إيجاد حلول للأزمة المتصاعدة، خصوصاً على نطاق قوى المعارضة التي كانت “عدّت العدّة” للبحث في كيفية إيجاد سبل تنفيذية لخطّة معالجة تفاقُم النزوح. وإذ تعرّضت أحزاب المعارَضَة لانتقادات على غرار إشكال الدورة من رئاسة “التيّار الوطنيّ الحرّ”، اعتبر النائب جبران باسيل أنّ ما يحصل في فلسطين ساهم في ما سمّاه “تجنيب لبنان مؤامرة بدأت معالمها تتكشّف في المتن عبر افتعال مشاكل من أشخاص معروفي الانتماء الحزبي مع النازحين بتغاضٍ من بعض الأجهزة الأمنية”. وتشكّلت “نقاط الاستهجان” التي اختصرت مواقف باسيل بدءاً من تصويبه على ما اعتبره بمثابة “تحريض متعمّد بعد صمت سابق للقوى المعارضة عن موضوع النزوح”، وصولاً إلى قوله إنّ “الوطنيّ الحرّ كان أوّل المتحدّثين عن أزمة النازحين عام 2011 لكن حصلت مجابهته بضرورة النأي بالنفس رغم تقديمه خطّة تفصيلية لعودتهم”.
في غضون ذلك، لاحظت قوى المعارضة أنّ هناك محاولات استهدافية تحاول توجيه “محراب مُصْلَت” نحوها للتأثير على مساعيها المحاولة البحث عن أفق حلّ تصاعديّ لأزمة النزوح المتفاقمة.
وانطلاقاً من المقاربة المشار إليها، لا يقرأ حزب الكتائب أنه بمثابة مكوّن سياسي معنيّ في الملاحظات المشار إليها في مواقف رئاسة “الوطنيّ الحرّ” مع تأكيد كتائبي على الانطلاق من شعار “لبنان أولاً” والحرص على اتخاذ موقف متقدّم خدمة للمصالح اللبنانية. وتؤكّد مصادر كتائبية بارزة لـ”النهار” على “ضرورة معالجة ملفّ النازحين بعيداً عن الشعبوية والاستثمار السياسي الظاهر على مستوى محور “الممانعة” الذي يستخدم ورقة النازحين في محاولة غايتها تخفيف الضغوط على النظام السوري، بدلاً من بحثه عن كيفية إيجاد حلول استباقية للأزمة”.
ويركّز الكتائب على ضرورة انبثاق الخطوات الأولى للتوصّل إلى معالجة فعلية لأزمة النزوح من المطالبة بضبط الحدود اللبنانية السورية، مع تذكيره في 10 نقاط وضعها تحت مسمّى “الحلول السياساتيّة لمعالجة أزمة السوريين في لبنان” ما يشمل إنشاء آلية لتحديد الصفة القانونية للسوريين الموجودين في لبنان، تسهيل العودة إلى المناطق الآمنة في سوريا، نزع صفة اللجوء عن السوريين المتوجّهين دورياً إلى سوريا، إغلاق المعابر الحدودية غير الشرعية، تقديم الحوافز المالية والمساعدات الإنسانية للعائدين، إعادة التوطين في بلدان ثالثة، ترحيل المُدانين، تسجيل المواليد، إنشاء مخيمات على الحدود والتنفيذ الصارم للقوانين اللبنانية.
وفي إضاءة مصادر الكتائب، إنّ “معالجة ملفّ النزوح تبدأ من نقاط علمية وعملية بعيدة عن الشعبوية والعدائية التي من شأنها مضاعفة حجم التشنّج وذلك اعتماداً على وزارات الدولة ومؤسّساتها، في اعتبار أنّ المبادرات الفردية لا تُعتبر كافية للتوصّل إلى حلول ناجعة إذا لم تجتمع جهود السلطات المحلية والوزارات المعنية والقوى الأمنية في التنسيق مع السلطات الدولية. ويعني ذلك الحاجة إلى قيام دولة فعلية يُعطّل “حزب الله” إمكان الانطلاق في بنائها مع تحذير الكتائب من تأجيج حجم المشكلة بدلاً من المساهمة في حلّها ما يؤدّي إلى نزاعات إذا لم تنطلق الحلول من المؤسسات المحلية والدولة الرسمية”.
ومن جانبها، تعتبر أوساط جهاز الإعلام والتواصل في حزب “القوّات اللبنانية” أنّ “مواقف النائب باسيل تضليليّة ويُراد منها فحسب تسليط الضوء على مزاعم مضلّلة من خلال اتهام القوى السياسية الباحثة عن حلول لأزمة النزوح في افتعال المشاكل مع النازحين السوريين”، مع تشديدها على أنّ “الإشكال الحاصل على مستوى منطقة المتن الشمالي كان جرى سابقاً في مناطق أخرى، ويُستعاد راهناً نتيجة الاحتقان الحاصل مع تفاقم أزمة النزوح السوري، فيما تتطلب معالجة الأزمة الانطلاق من استعراض الأوضاع مع المنظمات الدولية”.
ولا يغيب عن المضامين المعبّر عنها من ناحية الأوساط القواتية لـ”النهار”، التأكيد على “عدم خجل قوى المعارضة لناحية دفاعها عن الشعب السوري المضطهد من النظام في سوريا، بل إنه من الطبيعي التعاطف مع أوضاعه، في موازاة عدم تحرّك الفريق الحاكم في لبنان والمتمثل في فريق 8 آذار لحلّ الأزمة منذ بدء استقطاب لبنان للموجات الأولى من النازحين. ويأتي ذلك في غياب تنظيم دخولهم سابقاً أو إقامة مخيمات على الحدود اللبنانية السورية كمقترحٍ كانت قوى المعارضة لتعمل في سبيله لو أنّها تولّت زمام الحكم”. وإذ تشخّص قوى المعارضة تحوّل موجات النزوح الحديثة خلال الأسابيع الماضية إلى “قدوم اقتصاديّ الطابع” في ظلّ الغياب الفعّال لضبط الحدود اللبنانية السورية بالشكل المناسب، فإنّ الاستنتاج العام للأوساط “القواتية” يؤكّد على “تحمّل الإدارة السيئة للدولة اللبنانية مسؤولية تفاقم أزمة النازحين في وقت ستركّز قوى المعارضة على ضرورة معالجة الانعكاسات المتفاقمة لأزمة النزوح من خلال تأييدها مقترح ضرورة تمويل النازحين في مناطق آمنة داخل الأراضي السورية بدلاً من استمرار الواقع الراهن داخل لبنان، لئلا يُنذر تفاقم الإشكالات الحاصلة مع النازحين في انفجار الأوضاع داخلياً ما يؤدّي إلى تبعات لها ارتداداتها الأبعد من الجغرافيا اللبنانية”.