وجه الفاتيكان رسالة إلى اللبنانيّين والأسرة الدوليّة، أعلن فيها أنه “بدعوة من نيافة الكردينال بييترو بارولين، أمين سرّ دولة الفاتيكان، نحن اللبنانيّين، بطاركة وأساقفة وكهنة ومكرَّسين وعلمانيّين، المشاركين في أعمال سينودس الأساقفة المنعقد برئاسة قداسة البابا فرنسيس، وبمشاركة صاحب السيادة المطران بول ريتشارد غالاغير، أمين سرّ العلاقات مع الدول، والمونسنيور ميشال جلخ أمين سرّ دائرة الكنائس الشرقيّة، والأخت ناتالي بيكارت الأمين العام المساعِدة لسينودس الأساقفة، عقدنا اجتماعًا لبحث الوضع في لبنان، والجهود المبذولة لإنقاذه.
فتوجّهنا أوّلًا بعاطفة الشكر لقداسة البابا فرنسيس الذي يحمل لبنان في قلبه ويرغب في “إيجاد حلّ” يليق بتاريخ الشعب اللبناني وقيمه”. ويحمل أيضًا بلدان الشّرق الأوسط، وبخاصّة بعد اندلاع الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وجاء في الرسالة أيضاً: “إنّنا نعرب، مع قداسته، عن قربنا من عائلات الضحايا، ونصلّي من أجلهم ومن أجل جميع الذين يعيشون ساعات من الرعب والألم، ونطلب من ربّ السلام أن يسود السلام على الأرض التي قدّسها بتحقيق التدبير الخلاصي.
وبعد أن تبادلنا أفكارنا وآراءنا وهمومنا ومخاوفنا وهواجسنا على مستقبل لبنان، وأيضًا تطلّعاتنا وآمالنا ورجاءنا في إعلان الإنجيل وتحقيق رسالة الكنيسة على الأرض التي اختار يسوع المسيح ابن الله أن يولد فيها، ارتأينا أن نوجّه نداءً إلى مواطنينا والأسرة الدولية.
أولًا، إلى اللبنانيين
صحيح أنّ وطننا لبنان يواجه تحديات جدّية وخطيرة، قد تجعله يفقد هوّيته ودعوته ورسالته ودوره في المجتمع الدولي. إنّه يعاني من الانهيار الاقتصادي والنقدي والاجتماعي الذي أدى إلى تدهور اوضاع مواطنينا المعيشية، ما دفعهم إلى الفقر والهجرة، وبخاصّة شبابنا والمثقّفين من بيننا وعلائلات بأكملها نحو آفاق جديدة. إنّه يعاني أيضًا من دخول اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة، حتى باتوا يشكّلون عبئًا ثقيلًا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية لا يستطيع لبنان تحمّله.
ولمعالجة الأزمة اللبنانية المستفحلة والمستمرّة، نرى انّه من الضروري البدء بانتخاب رئيس للجمهورية يعمل على استعادة عمل المؤسسات الدستورية وتطبيق الإصلاحات المطلوبة. فنطلب من دولة رئيس مجلس النواب فتح أبواب المجلس ودعوة السادة النوّاب في أسرع وقت إلى جلسات نيابية متتالية. وندعو السادة النواب إلى القيام بواجبهم البرلماني والوطني وانتخاب رئيس وفق أحكام الدستور.
إنّ كنيستنا تتحمّل مسؤولية تعزيز الحوار بين المسيحيين من جهة، وبين اللبنانيّين من جهة أخرى، بهدف تنقية الذاكرة والقيام بفعل توبة صادق وتحقيق المصالحة الوطنية. فندعو أخوتنا اللبنانيين إلى توحيد جهودهم والالتزام معًا ببناء دولة مدنيّة، تضع الانتماء الوطني قبل الانتماء الطائفي، مع احترام التنوّع الديني والثقافي والسياسي والعيش معًا بالمساواة، كما نصّ نظام لبنان الكبير سنة 1920، والميثاق الوطني سنة 1943 الذي جدّده اتّفاق الطائف والدستور اللبناني المعدَّل سنة 1990.
ومن أجل بناء لبنان وطنًا ورسالة، نتّكل عليكم يا شبابنا اللبنانيين الذين تحملون رجاء المستقبل وتحلمون بدولة القانون التي تحقّق تطلعاتكم وترسّخ المواطنة والمساواة أمام القانون، بعيدًا عن اي انقسام ديني أو طائفي أو سياسي. أنتم تعلمون، كما نحن، أن السياسيين وزعماء الميليشيات الذين صنعوا الحرب واستولوا على السلطة واحتفظوا بها لمصالحهم الشخصية، لا يمكنهم استعادة السلام والحرية والديموقراطية.
ندعوكم، أيّها الشباب الأعزاء، إلى التعمّق بتنشئتكم الوطنية والسياسية والاستعداد لتولّي المسؤوليات.
ثانيًا، إلى الأسرة الدولية
الجميع يعلم أن معضلة لبنان مرتبطة بالصراعات المستمرّة في الشّرق الأوسط، وفي المنطقة وفي العالم؛ فتدخلات الدول الإقليمية والدولية في شؤون لبنان، باتّخاذ فصائل لبنانية لمناصرتها، قد اسهمت في تشرذم الوضع وأخلّت بصيغة العيش المشترك.
إنّنا نناشد قداسة البابا فرنسيس أن يعمل ما بوسعه للتفاوض مع الدول الصديقة للبنان والدول الكبرى من أجل خلاص لبنان كي يستعيد رسالته ويلعب دوره في المجتمع الدولي.
ونطلب أيضًا من الأمم المتّحدة، ومن الدول الصديقة للبنان، مساعدتنا على الحدّ من التدخلات الأجنبية والاعتراف بحياد لبنان الإيجابي وتطبيق قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701، وتسوية الصراع الإسرائيلي والفلسطيني.
أمام كلّ هذه التحديات ودوافع الرجاء الكثيرة، نحن نلتزم مع شعبنا في لبنان، بالسير معًا في الإصغاء والحوار والتمييز لحمل القيم المسيحية والشهادة للإنجيل في عيش المحبة مع بعضنا البعض ومع جيراننا، في رجائنا بالربّ يسوع المسيح الذي لا يخيِّب.
وبغضّ النظر عن عددنا، إننا باقون على أرض المسيح شهودًا للمسيح القائم من الموت والحاضر معنا وبيننا حتى نهاية العالم. كنيستنا هي كنيسة الرجاء وستبقى”.
المصدر: المدن