وسط قتامة المشهد في غزة ومأسويته طلع من تحت الردم صوت جبران كأجراس الياسمين، مانحاً اليائسين، من أبناء لبنان الميامين جرعات زائدة من الأمل والفرح والرجاء. كنا رحنا فيها. حدا بيقلّك «أوفر دوز»؟

تصيبك القشعريرة. تنخطف. ترتقي روحك إلى أعلى درجات السمو وأنت تستمع إلى جبران مستهلّاً خطبته المقدسة بآية من آيات الجنرال العظيم «بعد هذه المعاناة مجد عظيم، مجد ينتظر الذين لم يتخاذلوا». قصة هذا المجد، بالكاد تقنع جراميز «التيار»، أو من توقف نموهم العقلي في 14 تشرين الأول 1990. إنشاء وأوهام وطهرانية وتحرير وتحرر ومعارك دونكيشوتية عابرة للزمان والمكان وحدود المخيلة. آخرها معركة «مواجهة النزوح». دق جبران النفير. هبّ شباب لبنان وشيبه هبة واحدة. أما بشأن خلافة الجنرال، آخر العمالقة في العصر الحديث، فما إن تناهى إلى «الإستيذ» صوت جبران الصادح «تعالوا ننتخب رئيساً بالتفاهم الآن» حتى سارع «الإستيذ» حامل مفاتيح المجلس إلى تحديد موعد سريع لجلسة لانتخاب الفهيم أبي الفهم والتفهّم والتفاهم رئيساً للبلاد.

رغم أهمية ملء فراغ بعبدا الهائل، وأهمية بث الوعي في وجدان التياريين، كرسل في المجتمع، فالقضية الفلسطينية لطالما احتلّت الصدارة وعششت في فكر جبران لا بل باضت وفقّست. تخطى الصهر العربي الأممي وليد بك بأشواط بتقريع الغرب المتماهي مع العدو الصهيوني «ايها الغرب الجاف الظالم» من اين جاء بهذا التوصيف؟ ومتى تظهّرت حماسته للمقاومة الإسلامية واستماتته في الدفاع عن دورها في تحديد طبيعة المواجهة ومواقيت الحرب؟

ألم يقرأ الصهر دعوة العم ذات يوم «حزب الله» إلى «أن يصفّي وضعه العسكري»؟ ألم يتوقف عند قول العم «إن الحزب ينشئ جيشاً بديلاً على الحدود». يقرأ ولي العهد الأورنجي ما يريد من الإرث الكبير بما يتوافق مع الطموح الكبير.

في خطاب النصر، أعطى جبران حيّزاً كبيراً لفضح ممارسات العدو الإجرامية وتعريته أمام المشاهدين. شعرتُ، لشدة حماسته، انه متوجه فور انتهاء الإحتفال من انطلياس إلى عيتا الشعب، ومن عيتا الشعب إلى داخل الأرض المحتلة. حماه الله.

وما كان ينقص رئيس «التيار»، أول من أمس، إلّا أن يرفع أصبعه في وجه العدو والصديق وهو يذكر بمعادلته الثابتة «ان لا غاز من كاريش من دون غاز من قانا». يبدو أن هناك من لطش معادلة جبران، ضارباً بعرض الحائط حقوق الملكية الفكرية. قبل سنة ونيف قال المرشد الأعلى: «لا يمكن السماح باستخراج النفط والغاز من حقل كاريش قبل حصول لبنان على مطالبه المحقة». بناء على ما سبق يبدو لي أن معادلة «كاريش، وما بعد كاريش، وما بعد بعد كاريش» نتاج جبراني مائة بالمائة.

الكاتب: عماد موسى