كان غياب لبنان عن مؤتمر القاهرة بشأن غزة فادحاً. ليس لأنّ المؤتمر توصّل إلى نتائج كبرى، بل لأن الغياب أو التغييب يعني إسقاط الدولة اللبنانية من حسابات الداعين والمشاركين في لقاء مهمّته عرض وقائع يعيش لبنان شاء أم أبى، في خضمّها.
صحيح أنّ المدعوّين كانت مهمّتهم البحث في تداعيات الحرب في القطاع وانعكاساتها على المدنيين، لكن، لهذه الحرب فصلٌ متّصل يجري العمل عليه على الحدود اللبنانية، لا يمكن عزله عن مجريات الصدام التي قد تؤدي إلى دمار لبنان كما تدمّر غزة منذ أكثر من أسبوعين.
لذلك كان الحضور الرسمي اللبناني ضرورياً في القاهرة. فمع أنّ المؤتمر لم يتمكّن من التوصّل إلى بيان ختامي متفق عليه، وهذا مفهوم بسبب الانقسام الدولي العميق حول ما يجري بين طرفي الحرب المُعلنين، إسرائيل و»حماس»، فإنّ حضور الدولة اللبنانية كان سيوفّر فرصة للقاء أطراف دولية، يتمّ معها عرض الواقع اللبناني وشرح نظرية رئيس الحكومة عن عدم علاقة لبنان الرسميّ بقرار الحرب والسلم على تخومه الجنوبية!
كان الحضور المباشر سيوفّر فرصة إضافية لشرح الموقف، أقله، للمبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف وزميله الصيني تشاي جون وهما الأجدر بين المؤتمرين لنقل صورة الموقف اللبناني الرسمي إلى صديقهما الإيراني الذي يواصل التهديد بفتح الجبهات محتفظاً لنفسه بالسلاح الصاروخي الجديد المخصّص لتحرير القدس، وهو الصاروخ «سليماني» الذي كشف عنه في 24 أيلول الماضي، والصاروخ الآخر «أبو مهدي» المخصّص لحاملات الطائرات الأميركية، الذي يحتفظ به منذ الإعلان عنه في تموز الفائت.
كانت لتكون فرصة لا بأس بها لتنبيه العالم إلى حجم الإغاثة الإضافية التي سيحتاجها لبنان، وربما لشرح خطورة تضخم أعداد النازحين السوريين… وللقول، أخيراً، إنّ لبنان لا يزال موجوداً كدولة مستقلة تتبادل الآراء والأفكار مع غيرها من الدول، خصوصاً أنه الأول بين تلك الدول من حيث احتمال جرّه إلى المعركة وتحوّله إلى غزة ثانية.
لقد جرى تغييب لبنان، ربما لخطأ بروتوكولي، أو نتيجة لاعتراف مسؤوليه بالعجز وبعدم علاقتهم بالحرب التي قد تطوله، وربّما – وهذا هو الأسوأ- لاعتبار المنظّمين أنّ قرار لبنان أصبح في إيران، فلماذا يُدعى وإيران غير موجودة؟
مع ذلك حضر رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني الذي يعتبره أنصار إيران في العراق «مدير أعمال المقاومة» ثم انسحب قبل التقاط الصورة الختامية. وتعدّدت تفسيرات الانسحاب، إلى أن صدر التفسير البغدادي الرسمي: إمتعض السوداني من إيقافه في الصف الثاني. وهذا سبب جيد لتجنّب الغضب الإيراني من المؤتمر، وهو ما كان ممثل الحكومة اللبنانية قادراً على القيام به تجنّباً لغضب مماثل، لكن بعد أن يبلغ الجميع أن لبنان لا يزال حيّاً يُرزق.
الكاتب: طوني فرنسيس
المصدر: نداء الوطن