لم يعد السؤال الذي «يؤرِق» اللبنانيين هو: «هل يدخل «حزب الله» الحرب؟»، بل أصبح: «متى يتحدّث الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله؟
أُعطيت تفسيرات كثيرة لصمتِه، منهم مَن أعطى هذا الصمت الطابع الأسطوري إلى درجة الخرافة، منهم مَن بلغ به الأمر حدّ القول: «صمته أرعبهم»، والمقصود هنا أنه أرعب الإسرائيليين، ولكن إذا كانت هذه هي الاستراتيجية، «استراتيجية الصمت»، فلماذا في حرب تموز 2006، كان «كلامه يرعبهم»؟
بعيداً من كل التحليلات والاجتهادات والأمنيات، فإنّ منطق الأمور يقول إنّ المرء يتكلم حين يكون لديه ما يقوله، أمّا إذا التزم الصمت فهذا يعني أنّ صمته أقوى من أي مضمون يمكن أن يقوله. في الـ2006، كان السيد نصرالله يدير الحرب، ينتظره اللبنانيون وتنتظره إسرائيل كلَّ مساء ليقدِّم «إيجازه»، اليوم ماذا يقول؟ إذا تحدَّث عن وحدة الساحات، يظهر أمامه أنّ ساحة الحرب الوحيدة هي في غزة وغلاف غزة والمدن الإسرائيلية، أمّا ساحة جنوب لبنان، فطابعها أكثر من عمليات متفرّقة وأقل من حرب. الأسرى الإسرائيليون في يد «حماس» وليس في يد «حزب الله»، كما كانت عليه الحال أثناء اندلاع حرب تموز 2006، اليوم، الإسرائيلي لا يتكلَّم، ولو بالواسطة، معه بل «الحكي» مع حركة «حماس»، ولو بالواسطة. بهذا المعنى نزل «حزب الله» إلى المرتبة الثانية في الأهمية الإقليمية والدولية، وثبت أنّ اللاعب الأساسي الذي يوزِّع الأولويات هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية وليس أي أحد آخر.
المئة ألف صاروخ أو المئة والخمسون ألف صاروخ، التي في حوزة «حزب الله»، الإنتشار على طول الحدود من الناقورة الى شبعا، المطار العسكري في منطقة جزين، شبكة الاتصالات السلكية، «قوات الرضوان» ومناوراتها الدورية، العمق الممتدّ من إيران إلى العراق إلى سوريا، وصولاً إلى لبنان، كيف سيتم استثماره؟
التحدي الأكبر بالنسبة إلى «حزب الله»، هو أن تسير حرب غزة من الميدان إلى طاولة المفاوضات، من دون أن يكون له ضلعٌ فيها أو تأثير عليها، في هذه الحال، أين ستكمن أهميته في ما بعد؟
هل نغالي إذا قلنا إنّ «حزب الله» في مأزق، هو الأول الذي يقع فيه منذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000؟ لقد سحبت حركة «حماس» الورقة الاستراتيجية من يد «حزب الله»، أياً تكن محاولات رفع المعنويات، فكل الجهوزية التي تميز بها «الحزب»، لم تحل دون أن تكون فاتورة الذين سقطوا من عناصره باهظة جداً. ففي أيام، ومن دون معارك واقتحامات، لامس العدد الخمسين، وهذا ثمن باهظ، ولا تنفع معه تفسيرات أنّ إسرائيل تستخدم تكنولوجيا جديدة. أليس «الحزب» مَن يترقّب ويرصد ويلغي عنصر المفاجأة للإسرائيليين؟
إعتبار وحيد يمكن أن يردّ اعتبار «الحزب»، وهو انخراطه في هذه الحرب، فهل يغامر؟ والسؤال الأدقّ: هلى تسمح له إيران بالمغامرة؟
الكاتب: جان الفغالي