أراح خطاب الجمعة اللبنانيين عموماً والجنوبيين خصوصاً من هموم حربٍ كبرى، مع أنّه أبقى على حربٍ صغرى تدور رحاها يومياً ويذهب ضحيّتها أطفال ومدنيون ومقاتلون.
في المقاييس الاستراتيجية، خطب الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله باسم حزبه وباسم إيران. محور وحدة الساحات لم يعد موجوداً بعد «طوفان الأقصى». في إيران حُشِدت الجماهير في الساحات كما في الضاحية لسماع كلمة الأمين العام. وفي التعليقات الإيرانية اللاحقة عليها، جرى القول إنّ ما تضمّنته إنما يعبّر بدقة عن الموقف الإيراني من حرب غزة. لا علاقة لإيران بإطلاق عملية «حماس»، والمنظمة الفلسطينية هي من اتّخذ القرار، ولا علم لأي طرف آخر به… مهمة الآخرين في محور المقاومة هي مهمة تضامنية وليست مهمة انخراط كامل في برنامج اسماعيل هنية. الآخرون يقتصرون على تنظيمات عراقية وحوثيي اليمن، فسوريا الأسد خارج الموضوع ولم يرد ذكرها في الخطبة.
أراحت الحدود التي رسمها نصرالله الداخل اللبناني إلى حدّ ما، وأخرجت إيران من دائرة المسؤولية، لكنّ الاطمئنان المطلق غير وارد. يوم الأحد حلّت كارثة بعائلة جنوبية فقدت جدة وحفيداتها الثلاث، الجدّة كانت فقدت شقيقاً في حرب تموز 2006، والعائلة العيناتية لم تبخل منذ السبعينات بتقديم التضحيات دفاعاً عن الأرض والوطن. هذه الكارثة يمكن أن تتكرّر ما دامت الجبهة مفتوحة. فالحرب ليست لعبة كرة قدم محدودة الوقت والأشواط، يحكمها حكمٌ صارم.
بين خطبة الجمعة وخطبة السبت يمكن أن تتغيّر أمور كثيرة. التدهور الكارثي يمكن أن يحصل، فيكون خطاب نصرالله محكوماً به، واستمرار معادلة تشرين سيتيح له الغوص في أمور أخرى من الموقع الذي يتموضع فيه: قائداً لجبهة مفتوحة من فوق الدولة والجيش واليونيفيل ومجلس الأمن وأممه المتحدة.
الأمور الأخرى تتصل على العموم بإحياء الذكرى السنوية الأولى للفراغ الرئاسي، واحتدام الشوشرة حول قيادة الجيش والبنك المركزي والاقتصاد والحكومة… كلها عناوين سيكون التطرق إليها متاحاً، إن توفر الوقت، وفي سبيلها ستطرح المخارج التي لن تنتظر قبول الآخرين أو رفضهم. فهؤلاء في نظر الذي يقاوم العدو الإسرائيلي ديكور داخلي مهمته خدمة المشهد الذي يرسمه المخرج، الذي يحقّ له ما لا يحق لأي كان.