قرار الحرب والسلم ليس في أيدي الجيوش المعدة للحرب في دول العالم. المستوى السياسي الرسمي هو صاحب القرار، سواء أراد شن حرب على عدو أو كان يرد على حرب بدأها العدو. والجيوش تخوض الحروب تحت غطاء شرعي الى جانب التأييد الشعبي. حتى الإستعانة بشركات أمنية خاصة، فإنها تأتي في إطار التحكم الرسمي بالقرار والأداء. القرار الوحيد الذي في يد العسكر هو القيام بإنقلابات للإستيلاء على السلطة، كما حدث ويحدث في العالم الثالث الذي صار يسمى «الجنوب العالمي».

أما في لبنان، فإن الشواذ صار القاعدة. مقاومة إسلامية مرتبطة بإيران ومشاركة في السلطة تقرر من خارج السلطة حجم الإنخراط في حرب او الذهاب الى حرب شاملة، من دون غطاء شرعي رسمي ولا تأييد شعبي. لا فقط في حال المواجهة الحتمية مع إعتداء إسرائيلي على لبنان، بل أيضاً في حال المشاركة الطوعية في حرب سوريا الى جانب النظام كما في حال المساندة لحركة «حماس» في حرب غزة التي يشنها الجيش الإسرائيلي بقرار من المستوى السياسي بعد عملية «طوفان الأقصى». وكلها تحت عنوان رد الخطر الأصولي والخطر الصهيوني عن لبنان.

وهذا أمر كان يصعب تصوره قبل دخول العامل الإيراني على الخط الإقليمي منذ إنشاء «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري في الجمهورية الإسلامية. إذ جرى تأسيس فصائل إيديولوجية مسلحة في دول عدة بينها العراق بعد الغزو الأميركي، حيث تقرر هذه الفصائل ضد قرار الحكومة قصف المراكز الأميركية الموجودة داخل قواعد عراقية بناء على «تفاهم إستراتيجي» بين واشنطن وبغداد.

«حزب الله» يرى أن هذا هو الوضع الطبيعي، وما كان في لبنان قبل المقاومة الإسلامية هو الوضع غير الطبيعي. لا بل يتصرف كأنه صاحب الأرض والسيادة، فيسمح لفصائل فلسطينية بإطلاق الصواريخ من الجبهة الجنوبية بعد تجربة لبنانية مريرة مع فصائل فلسطينية تحكمت بالبلد الذي دخل في حرب طويلة تخللها دخول عسكري سوري واجتياح إسرائيلي وتمركز قوات متعددة الجنسيات أميركية وفرنسية وتابعة لدول أخرى.

والمشهد بالغ التعبير. بلد تعددي من 18 طائفة تختصره «المقاومة الإسلامية» في لبنان وتجعله أرض «محور المقاومة» بقيادة إيران الإسلامية، وتفتحه أمام «حركة المقاومة الإسلامية حماس» و»الجهاد الإسلامي» و»قوات الفجر» التابعة للجماعة الإسلامية. لا شأن لبقية الطوائف والقوى. لا دور للسلطة الرسمية أكبر من دور وكالات الإغاثة والصليب الأحمر. ولا اعتبار للقرار 1701 وقوات «اليونيفيل». أما القوى المعارضة والمحذرة من توريط لبنان المفلس في حرب واسعة مدمرة، فإنها ليست في موقف استراتيجي واحد ولا في موقع سياسي واحد، بصرف النظر عن التضامن مع غزة وقضية فلسطين وإدانة التوحش الإسرائيلي. وبعضها يعطي الأولوية لحروبه الداخلية الصغيرة على الأمن القومي للبنان.

وحين يقول السيد حسن نصرالله إن «كل الإحتمالات مطروحة وكل الخيارات مفتوحة»، فإن السؤال هو عمن يضبط القرارات. والجواب، مهما يكن، يعيد تذكير اللبنانيين بأنهم صاروا في «لبنان آخر» يمسك بقرار الحرب فيه طرفان: إيران وإسرائيل. لبنان مرتبط بغزة ودمشق وبغداد وصنعاء في إطار المشروع الإقليمي الإيراني تحت عنوان «محور المقاومة». ولا مجال الآن للقول: «لو كنت أعلم». فالكل يعلم ما سيحدث.

وليس من السهل على اللبنانيين تطبيق المثل الصيني القائل:»ما لا تستطيع تجنبه رحّب به».

رفيق خوري