لا يمكن تصوير إعلان حركة حماس عن تأسيس طلائع طوفان الأقصى في لبنان، بأنه سيُحدِث انقساماً إسلامياً مسيحياً. إذ أن الخطوة التي أقدمت عليها الحركة أحدثت ارتدادات سلبية كثيرة على الساحة اللبنانية، خصوصاً أن غالبية اللبنانيين ومن اتجاهات سياسية وطائفية مختلفة يرفضون العودة إلى ما كان عليه الوضع سابقاً في الجنوب، وتحديداً بعد اتفاقية القاهرة العام 1969، وما تلاها من حروب ومعارك أو اجتياحات إسرائيلية، بذرائع العمل الفلسطيني المسلح إنطلاقاً من الأراضي اللبنانية، وصولاً إلى معارك لبنانية- فلسطينية، وتالياً لبنانية- لبنانية أنتجت الحرب الأهلية. ثمة إجماع لبناني على رفض العودة إلى تلك الحقبة.

المواقف اللبنانية السلبية إزاء الخطوة، دفعت حماس إلى إصدار توضيحات بأن المقصود ليس تشكيل جسم عسكري في لبنان، إنما تأطير الشباب الفلسطيني والعمل على التعبئة في صفوفه، لمناصرة القضية الفلسطينية، والنضال العام في سبيل تحرير القدس والمسجد الأقصى. ولكن ليس المقصود العمل العسكري. موقف حماس هذا من شأنه أن يهدئ الوضع نسبياً. لكن، عملياً، كان هناك نشاط عسكري انطلاقاً من الجنوب من خلال عمليات إطلاق الصواريخ. يقول اللبنانيون إنهم تعلموا من تجارب الماضي. وهنا تلتقي مواقف إسلامية مع مواقف المسيحيين من دون الذهاب إلى الانقسام الذي سرى في حقبة ما قبل الحرب الأهلية.

حتى بيئة حزب الله لا تبدو متحمسة لما جرى، وسط أجواء تفيد بأن لا حاجة للحزب في أن تكون حماس فاعلة في المناطق الجنوبية، والحزب لا يحتاج إلى دعم عسكري، وبالتالي أي نشاط للحركة سيؤدي إلى ردود فعل عنيفة من قبل الإسرائيليين، يدفع أثمانها المواطنون في الجنوب. وحسب المعلومات، فإن اتصالات تجري مع حركة حماس من قبل حلفاء أو أصدقاء لها من أجل الخروج بموقف يزيل الالتباسات ويعيد تصويب الأمور. حركة أمل تضطلع بمثل هذه الاتصالات. الحزب التقدمي الاشتراكي أيضاً يشدد على أن المقاومة يجب أن تكون لبنانية من دون إشراك قوى أخرى. ووليد جنبلاط كان قد صرح سابقاً بضرورة أن يكون حزب الله هو صاحب النشاط العسكري في الجنوب، لأنه لا يمكن العودة إلى زمن الانقسام والتسبب بمشاكل سياسية داخلية، ستؤدي إلى معارك على المستوى الأمني أو العسكري.

رؤساء الحكومة السابقين، مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، يتواصلون أيضاً في سبيل إصدار موقف يشير إلى ضرورة تراجع حماس عن ما أعلنته، كما أن رئيس الحكومة يجري الإتصالات اللازمة مع الجهات الديبلوماسية والدولية لتوضيح الموقف اللبناني الرافض لذلك. ويقول رؤساء الحكومة إن لبنان يرفض العودة إلى معادلة العام 1969، وهي كانت عبارة عن الموجة الأولى من ضرب مفهوم الدولة اللبنانية وسيادتها على أراضيها، وهي التي شرعت الباب أمام الحرب الأهلية. وبالتالي، فبالنسبة إلى “السنّة” في لبنان لا تزال المعادلة السارية بالنسبة إليهم هي معادلة “لبنان أولاً” والتي لا يمكن التضحية بها لحسابات مختلفة سياسية أو إقليمية.

وأعرب رئيس الوزراء الأسبق ​فؤاد السنيورة​، عن استغرابه الشّديد واستهجانه “لصدور بيان عن حركة “حماس” ​لبنان​ أمس، دعت فيه إلى “تأسيس وإطلاق “طلائع طوفان الأقصى”، وذلك تأكيدًا على دور ​الشعب الفلسطيني​ في أماكن تواجده كافّة على مقاومة الاحتلال بكلّ الوسائل المُتاحة والمشروعة، واستكمالًا لما حقّقته عمليّة “طوفان الأقصى”، كما جاء في البيان”. وأشار في بيان، إلى “أنّني أودّ أن ألفت عناية الاخوة الفلسطينيّين، إلى أنّ ​الشعب اللبناني​ -كان ولايزال- يقف من دون تحفّظ إلى جانب الشعب الفلسطيني، في قضيّته المحقّة لاستعادة حقّه وأرضه بالوسيلة الّتي يختارها الشعب الفلسطيني. لكنّ أيّ تفكير بعودة الإخوة الفلسطينيّين إلى العمل المسلّح انطلاقًا من لبنان، هو مسألة غير مقبولة ومرفوضة”.

ولفت السنيورة إلى أنّ “لبنان قد ألغى اتفاق ​القاهرة​ الّذي كان يسمح بحريّة العمل الفلسطيني المسلّح انطلاقًا من أرضه، وذلك بعد أن دفع لبنان، وعلى مدى عقود طويلة، ثمنًا غاليًا من أرواح مواطنيه واستقراره وتطوّره”، مركّزًا على أنّ “الشعب اللبناني قد أقرّ ​اتفاق الطائف​ والتزم به ميثاقًا للعيش المشترك، لضمان حياة وطنيّة مشتركة، وهو الاتفاق الّذي نصّ على حلّ جميع الميليشيات المسلّحة، وأكّد تثبيت سلطة ​الدولة اللبنانية​ الحصريّة على كامل أرضها وترابها الوطني. كما أكّد التزام لبنان الكامل بقرارات الشّرعيّتَين العربيّة والدّوليةّ، ولاسيّما ​القرار 1701​”. وتمنّى على “الإخوة الفلسطينيّين، التّفهّم الكامل لهذا الأمر، وبالتّالي توفير الخلافات على أنفسهم واللّبنانيذين في هذا الظّرف العصيب”.

النّائب ​أشرف ريفي​، اعتبر أنّ “إنشاء “طلائع طوفان الأقصى” في ​لبنان​ الّذي أعلنت عنه حركة “حماس”، خطأ جسيم نطالب بالعودة عنه، لأنّه يعيد ذاكرةً لا يجب أن تُستعاد، وهو يضرّ ب​القضية الفلسطينية​ لمصلحة ​محور الممانعة​ الّذي يتاجر بها”. وأشار في بيان، إلى أنّ “النّضال مكانه الأرض المحتلّة، وانتفاضة الحجارة خير شاهد، والهدف الّذي يدعمه اللّبنانيّون جميعًا هو دعم ​الشعب الفلسطيني​ في كفاحه لإقامة الدّولة الفلسطينيّة المستقلّة”، مشدّدًا على أنّ “لبنان ليس ساحةً للممانعة أو للمنخدعين بها، ونرفض هذه المغامرات الهادفة لزجّ المخيّمات وأهلنا فلسطينيّي لبنان في تجارة الممانعة”. وركّز ريفي على أنّ “سلاح ​الجيش اللبناني​ هو السّلاح الشّرعي والوحيد”، لافتًا إلى أنّ “نصيحتي لكم: لا تغرقوا في الرّمال اللّبنانيّة المتحرّكة، وإلّا تكون الخسارة كبيرة جدًّا”.

المصدر: المدن