لا مجال حالياً لتفعيل القرار 1701، كما تطلب الأمم المتحدة وأكثرية اللبنانيين والعواصم العربية والدولية. ولا فرصة، على الرغم من الضرورة الملحة، للعودة على الجبهة الجنوبية الى المشهد الذي كان قبل حرب غزة. فما تبدّل لم يأتِ دفعة واحدة بل بالتدرج على مدى 17 عاماً منذ تطبيق المرحلة الأولى من القرار الدولي على أمل التوصل الى تطبيق المرحلة النهائية. هو، في الإطار الأمني، إنتقال «المقاومة الإسلامية» من العمل تحت الأرض وعنوان «الأهالي» والبيئة الخضراء في منطقة عمليات «اليونيفيل» جنوب الليطاني الى العمل علناً فوق الأرض، ومن رشق العدو الإسرائيلي بالحجارة عبر «بوابة فاطمة» الى قصفه بالصواريخ والمسيّرات. وهو، في الإطار الجيو سياسي والإستراتيجي، ربط الجنوب بحرب غزة ضمن دفع لبنان الى «محور المقاومة» بقيادة إيران.
واذا كان العامل المؤثر في مصير القرار 1701 هو نهاية حرب غزة، فإن سيناريو هذه النهاية ليس واحداً، اقله حسب الرهانات. رهان الغرب الأميركي والأوروبي على ان تنجح إسرائيل في إنهاء حكم «حماس» لغزة ونزع سلاحها، بحيث تصبح الفرصة مفتوحة لتفعيل القرار 1701 وتطبيقه «بكل متدرجاته والوقف التام للنار». ورهان «محور المقاومة» على ان تنجح «حماس» في إفشال الأهداف الإسرائيلية من الإجتياح البري مع القصف جواً وبحراً، وبالتالي إلحاق هزيمة إستراتيجية بإسرائيل وإعلان إنتصار «حماس» لمجرد بقائها ومنع خسارتها، بحيث يصبح القرار 1701 من الماضي.
الرهان الاول يعني، بقوة الأشياء، فتح الأفق السياسي امام تسوية لقضية فلسطين ضمن «حل الدولتين». تسوية تقود الى التسويات ومتغيرات على مستوى المنطقة. وحين يبدأ التفاوض على التسوية وما بعدها، فإن «حزب الله» الذي لعب دوراً مهماً في الحرب لا مقعد له الى طاولة المفاوضات ولا دور. الدور والمقعد لإيران. وهما يجب ان يكونا للبنان وأن يكون له رئيس جمهورية وحكومة. لكن «الوقت يلعب ضد لبنان» كما قال الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان. وفي رأيه، فإن «من المستحسن في مرحلة المفاوضات ان تكون هناك سلطة لبنانية لتحاور باسم كافة الفرقاء، وإلا لن يعود لبنان مقرراً لمصيره بل سيخضع له».
والرهان الثاني يدفع «حماس وحزب الله» وكل محور المقاومة بقيادة إيران الى اعتبار أن هزيمة إسرائيل الإستراتيجية تدق الساعة لبداية نهايتها في حرب تحرير وشرق اوسط مختلف لا دور فيه لأميركا ولا مجال لقوات دولية في الجنوب اللبناني. واذا كانت اسرائيل قد احتاجت في بداية الحرب الى حماية عسكرية أميركية، فإن فشلها في مواجهة ميليشيا يعني بدء العد العكسي لزوالها.
وأخطر ما يعانيه لبنان هو الإرتهان لرهانات لا يد له فيها، ولا احد يعرف ما يفعل بها ولها الواقع.
«ومن العجز طلب ما فات بما لا يمكن استدراكه، وترك ما أمكن مما تُحمد عوافية»، كما قال الإمام علي.
الكاتب: رفيق خوري