تتعاطى الدوائر الضيقة الرسمية والسياسية إزاء ما يهدد البلد من مخاطر اندلاع الحرب على الجبهة اللبنانية مع إسرائيل، تارة على قاعدة «فيفتي – فيفتي»، وأخرى وفق منطق «الهبة الباردة والهبة الساخنة».
يتلاطم هذه الدوائر، المتابعة عن قرب لتفاصيل ما ينقله ويقترحه المسؤولون الغربيون، ولا سيما الفرنسيون الذين يبدو أنهم مولجون من قبل الدول المهتمة بلبنان، من تحذيرات وتهديدات، نوعان من المعطيات:
الأول يفترض، وعن حق، بأنّ وقوع المواجهة الواسعة بين «حزب الله» وإسرائيل مستبعد إذا كان الأمر يتعلق بالضوء الأخضر الأميركي للدولة العبرية أن تشن هجوماً على «الحزب» ولبنان. فواشنطن التي تبدو جدية بحسب العارفين بموقفها الساعي إلى كبح جماح الجانب الإسرائيلي، ما زالت ضاغطة لتجنب ضم لبنان إلى الحرب على غزة. وطالما هي باقية على هذا الموقف فمن المستبعد أن تنجح تل أبيب في ترجيح هذا الخيار الذي يصعب عليها سلوكه من دون الموافقة الأميركية. فمجريات الحرب على جبهة لبنان تحتِّم حسابات لاحتمالات مسارها، من ضمنها أن تتورط الولايات المتحدة الأميركية في مساعدة إسرائيل، وهذا ما لا تريده.
الحرب مع «الحزب» قد تقود إلى مواجهة مع إيران، وبالتالي مع أذرعها في عدد من الدول، وقد تفتح جبهات أخرى تنذر بحرب إقليمية. وواشنطن تسعى إلى حصر الحرب بغزة، لئلا يرتب توسعها أعباءً عليها، تضاعف تلك التي تكبدتها في التمويل والتسليح والدعم السياسي لإسرائيل من أجل مواجهة الضربة التي حققتها «حماس» ضدها في عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي. فإدارة الرئيس جو بايدن تتجه نحو التفرغ لحملة الأخير الانتخابية، التي ستشغل أميركا وسائر دول العالم.
يعتقد الذين يملكون هذه المعطيات أن واشنطن تمكنت حتى الآن من إجهاض اندفاعة تل أبيب نحو فتح جبهة لبنان، خصوصاً أن الجانب الأميركي يستند في ضبطه متطرفي إسرائيل، إلى عدم رغبة طهران وبالتالي «الحزب» في توسيع الحرب. كما أنّ بعض هؤلاء الذين يستبعدون اتساع رقعة المواجهات الراهنة، المضبوطة وفق وتيرتها الدائرة على جبهة لبنان يعتقدون أنّ «حزب الله» يضرب ألف حساب للخسائر التي يتعرض لها سواء في عديده، أو في الدمار الذي تتعرض له القرى الحدودية أو في أعباء التهجير الذي يرافق تسخين الجبهة.
استنتاج من يستبعدون توسع الحرب، يرجّح بقاء الوضع الراهن معلّقاً حتى حصول تسوية إقليمية.
أمّا النوع الثاني من المعطيات التي تبقي الباب مفتوحاً على إمكان انتقال الحرب إلى الجبهة اللبنانية، فهو اعتقاد البعض ممن تلقوا تفاصيل رسائل الدبلوماسية الفرنسية والأميركية وغيرها، بأنّ إسرائيل بنيامين نتنياهو قادرة على توريط أميركا في حرب على جبهة لبنان، جراء قدرة اللوبي الصهيوني في واشنطن على التأثير في إدارة جو بايدن، بعدما اجتاح فائض التضامن الأميركي والغربي مع الدولة العبرية إثر 7 تشرين الأول، المسرح الدولي في شكل غير مسبوق. ولا بد من أن يستغله متطرفو تل أبيب.
لا ضمان لثبات واشنطن على لجمها لإسرائيل إلا بتسوية تنقذ لبنان من احتمال توسع الحرب، كما تطرحها الدول الداعية إلى تطبيق كامل للقرار الدولي 1701. ومع أنّ الجميع في الخارج والداخل يتحدث عن أهمية وضع هذا القرار موضع التنفيذ بوقف خرقه من الجانبين، إسرائيل و»حزب الله» منذ 7 تشرين الأول، فإنّ أي أفكار عملية وتنفيذية لم تطرح على هذا الصعيد حتى الآن، لا سيما من الجانب الأميركي. فإسرائيل مهما طالبت بسحب سلاح ومسلحي «حزب الله» من الحدود (كما ينص عليه القرار الدولي) نحو مجرى نهر الليطاني، ليست مستعدة للالتزام بالقسط الذي يتعلق بها من بنود القرار. أما «حزب الله» فقد أبلغ جميع الموفدين والدول، بأنه لن يتورط في أي حديث عن جبهة لبنان قبل أن تنتهي الحرب في غزة. وهذا يبقي احتمال توسع الحرب وارداً أكثر… بغياب تفاهم أميركي- إيراني يشمل لبنان.
الكاتب:وليد شقير