باسيل مبتدئ في لعبة الكبار.. والحزب قام بالمطلوب

محليات

أقر مجلس النواب التمديد لقائد الجيش جوزيف عون، وذلك للحؤول دون شغور قيادة المؤسسة العسكرية في مرحلة دقيقة وحساسة بفعل تداعيات حرب غزة على لبنان، وفي ضوء تعذر انتخاب رئيس للجمهورية يعيد الانتظام للدولة اللبنانية ومؤسساتها.

إلى هنا يبدو الطرح منطقيا وحكيما في جمهورية لا منطق ولا حكمة يسترشد بهما قادة القوى والأحزاب السياسية المدمنون صراعاتهم الصغيرة، التي تضمن حصصهم وتكرس نفوذهم.

ومعروف أن حامل لواء رفض التمديد للقائد هو رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، والذي حاول توجيه طلقة من العيار الثقيل، عشية التمديد إقرار في مجلس النواب، ولعب على وتر استمالة حليفه “اللدود” “حزب الله”، باتهامه القائد بأنه “يُنفّذ سياسة الغرب فيما يخصّ الحزب وإسرائيل، وهو يُطبّق القرار 1701 بشكلٍ مجتزَأ”، وبأن “ضغطا دبلوماسيا وأمنيا خارجيا يُمارس للتمديد له ونحن نرفض ما يفرضه الخارج علينا”.

لكن التمديد حصل، وبغض نظر من “حزب الله”، والسبب هو الضغط الخارجي، الذي فهمه الحزب وقام بالمطلوب. فشعر باسيل بالخيانة العظمى وبدأ يعد العدة للطعن في قرار مجلس النواب على أمل قلع القائد من منصبه، وقطع الطريق على أي أمل له بالوصول إلى رئاسة الجمهورية.

ما لم يفهمه باسيل هو أن التمديد لقائد الجيش أكبر من الشأن اللبناني المحلي، ويتجاوز الصراعات الضيقة لأركان المنظومة الحاكمة، لأنه يتعلق بأجندات المجتمع الدولي، وتحديدا دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة، التي ترعى وتدعم جوزيف عون، ليس لشخصه، ولكن للضمانات التي يجسدها الجيش اللبناني، إن لجهة ملف الإرهاب والتطرف، أو لجهة منع تدفق النازحين السوريين إلى أوروبا، والأهم في هذه المرحلة، هو ضمان تطبيق القرار 1701 الذي ينظم وضع جبهة الجنوب اللبناني مع إسرائيل.

وبمعزل عن التضخيم وبث الأخبار المغلوطة لغايات الاستقطاب والتجييش ولتغطية إمكانية تورط لبنان المفلِّس والمنكوب في حرب مفتوحة لا يحتمل مفاعيلها لأسباب لم تعد خافية على أحد، بات معلوما أن المجتمع الدولي لا يريد تعديل القرار 1701، لكن المطلوب تطبيقه. ومهمة التطبيق إذا ما أثمرت المفاوضات على ضفتي الصراع بين “حزب الله” وإسرائيل تقع على عاتق الجيش اللبناني بالتعاون مع قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام “اليونيفيل”.

بالتالي، كان منطقيا أن يتلقى باسيل ضربة موجعة من حليفه “اللدود”، ولم تنفع محاولته الرقص على حبال العداء الظاهر بين الحزب والمجتمع الدولي. فبدا وكأنه مبتدئ في لعبة الكبار. لم يلحظ أن تحديه الإرادة الدولية والعربية كالنفخ في قربة مثقوبة. لم يقرأ جيدا ما يدور في كواليس الجبهة الجنوبية على الرغم من استعار لهيب القصف المتبادل. فحسب لوهلة أنه تمكن من النجاح في مسعاه وأقنع “حزب الله” بالوقوف إلى صفه.. حتى لو كانت المصلحة الوطنية والعوامل الخارجية تسير في اتجاه مغاير.

لكنه خسر الرهان، لأن الحزب قام بالمطلوب، متغاضيا عن اعتداده بقوته وقدرته على مواجهة الولايات المتحدة، كما حدد أمينه العام حسن نصر الله، مع اندلاع حرب غزة، باعتبارها العدو الفعلي.

وهي ليست المرة الأولى التي يُغَلِّب فيها الحزب مصلحته العليا على شعاراته. فهو وافق على ترسيم الحدود البحرية بما يوافق إسرائيل، وسمح بالتنازل عن حقوق لبنانية، لأنه يعرف جيدا متى يقبل ومتى يرفض. ميزانه دقيق، ومعياره الوحيد هو بقاؤه متحكما بمفاصل الدولة اللبنانية، ليس بتحرير القدس.

ومصلحته هذه الأيام، تقضي بالالتفاف على احتمال توجيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضربة موجعة إلى لبنان، لتوريط الولايات المتحدة في حربه أكثر فأكثر.

لذا التجأ “حزب الله” إلى المنطق والحكمة، وتجاهل عن سابق تصورٍ وتصميمٍ أن “ضغطا دبلوماسيا وأمنيا خارجيا” هو ما مدد لقائد الجيش ولايته.. فقام بالمطلوب..

 

 

الكاتب: سناء الجاك

المصدر: سكاي نيوز عربية


Facebook
Twitter
Instagram