خطر الحرب على لبنان حقيقي. والمساعي الأميركية والفرنسية والإعتبارات الإيرانية لإبعاد خطر الحرب جدية. والمواقف الروسية والصينية والأوروبية والعربية ضد الحرب الشاملة واقعية. لكن “محور المقاومة” الذي رأس حربته “حزب الله” يرى أن ملاعبة الخطر لا تزال ممكنة لإرباك العدو الإسرائيلي و”مساندة” حركة “حماس” في حرب غزة. ولا يبدل في الأمر أن “المشاغلة” الممتدة من الجنوب اللبناني الى اليمن لم تدفع حكومة نتنياهو الى تخفيف حربها الهمجية التدميرية على القطاع. وليس بين قيادات “المشاغلة” من يجهل أن الإنتقال من “توازن الردع” الى “تبادل الضربات” لا يحرر أرضاً ولا يؤدي حتى الى التوازن والتناسب في تبادل الأذى.
ذلك أن الوجه الآخر لإرباك إسرائيل بأزمة مستوطنين اضطرت الى تهجيرهم من الجليل الأعلى هو تهجير أهل الجنوب وتدمير منازلهم ومنعهم من جني محاصيلهم الزراعية. فضلاً عن أن أزمة المستوطنين، وسط الإستمرار في ملاعبة الخطر، صارت من مصادر الخطر الكبير الذي يدفع العدو الى الحرب إن فشلت التسوية التي تعمل لها قوى إقليمية ودولية في إحياء القرار 1701 والإطمئنان الى دور الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل”. وكل هذا تحت شعار كبير هو تحرير فلسطين بالمقاومة المسلحة.
والسؤال هو: هل نحن فعلاً على الطريق الى تحرير فلسطين؟ الجواب الإيديولوجي جاهز، ويتكرر على ألسنة المسؤولين في إيران و”محور المقاومة” المرتبط بها. قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي يرى أن “الكيان الصهيوني يحتضر”. وأحد المسؤولين في الحرس يعلن القدرة على تدمير إسرائيل خلال “سبع دقائق ونصف”. “حماس” تتصرف على أساس أن التحرير بدأ. السيد حسن نصرالله يقول إن إسرائيل “أوهن من خيوط العنكبوت”. والمرشد الأعلى علي خامنئي يعتقد ان ما يقترب هو “نهاية أميركا لا إسرائيل فقط”.
لكن الجواب الواقعي ليس كذلك. فلا طرف يبدو كما يتصور نفسه. عملية “طوفان الأقصى” كشفت “عقب آخيل” الإسرائيلي عبر تصميم الضعيف وغفلة القوي، كما كشفت حرب غزة “حدود القوة” مهما توحشت. وما كشفته حرب غزة أيضاً هو حقيقة الإستراتيجية الإيرانية والدهاء البراغماتي. طهران لم تنخرط مباشرةً في الحرب. ولا سمحت لوكلائها بأكثر من “المساندة”، من حيث كان رهان “حماس” على فتح كل الجبهات بالكامل في حرب التحرير.
أقل ما قاله غلام علي جواد عادل مستشار المرشد الأعلى وعضو “مجلس تشخيص مصلحة النظام” في صحيفة “إعتماد” هو: “يجب أن يعلم من يرغبون في دخول إيران حرب غزة ان هذا ما يرغب فيه النظام الصهيوني، لأن الصراع سيؤدي الى حرب مع الولايات المتحدة”. فما كشفته عملية “طوفان الأقصى” هو ان أميركا التي خفضت إلتزاماتها في الشرق الأوسط عادت بقوة عسكرية وسياسية لحماية إسرائيل. وهذا عامل مهم في اقتناع ايران بأن التحرير ليس مجرد مسألة إقليمية يحسمها العزم. والسؤال هو: لماذا يوضع لبنان رهينة شعار، لا خطة ولا قدرة على تنفيذه؟
يقول جورج كليمنصو: “الحرب سلسلة كوارث تخدم نصراً”. لكن الحرب يمكن ان تكون سلسلة كوارث تقود الى كارثة أكبر.
الكاتب: رفيق خوري
المصدر: نداء الوطن