بعد مرور قطوع الفراغ في قيادة الجيش مع التمديد للعماد جوزيف عون لعام إضافي، يطلّ هاجس شغور آخر قضائي هذه المرة، وهو استحقاق إحالة مدّعي عامّ التمييز القاضي غسان عويدات إلى التقاعد في 22 شباط المقبل. فمن سيخلف عويدات، خاصة في ظل التخبط الذي تعيش فيه قصور العدل في لبنان. وهل سنكون أمام سيناريو صراعات شبيه بما حصل مع قيادة الجيش؟
فمنذ الفشل في إقرار التشكيلات القضائية عام 2017 شَغَرت مواقع أساسية بفعل الاستقالة أو التقاعد أو صدور قرارات عن المجلس التأديبي عبر صرف قضاة من العمل. من أهمّ هذه المراكز: الرئيس الأوّل في محافظات بيروت، جبل لبنان، البقاع، الجنوب، النبطية، طرابلس. كذلك قاضي التحقيق الأول في بيروت، النائب العامّ الاستئنافي في الشمال، قاضي التحقيق الأول في البقاع، مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية. واللافت أنّ هذه المراكز تمّ ملء الشغور فيها إمّا بالإنابة أو بقرارت تكليف من دون الالتزام بقاعدة قانونية واحدة.
ماذا يجري في العدلية؟ سؤال يتم التداول به بين القضاة والمحامين لاسيما المناقلات والحلول بالإنابة وما هي أبعاد هذه الخطوة، خاصة وأن المدعي العام التمييزي اهم منصب تنفيذي في الدولة؟
الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر يؤكد لـ”المركزية”، بخصوص التشكيلات، أن ”الجميع يعلم أن لدينا طبقة سياسية فاسدة لدرجة أنها لا تريد “عدلية” قوية، لأنهم في هذه الحالة يصبحون جميعاً في السجن. دولة القانون توجب وجود عدلية قوية، إلا ان هذا الأمر لا يصبّ في مصلحة الطبقة الحاكمة التي تشكل “دولة زعران” وقطاعي طرق و”كومبينات” و”مافيا”. فمنذ ان قدّم رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود تشكيلاته عام 2017، قرر الرئيس ميشال عون وخلافاً للدستور ولكل الاحكام عدم إصدارها، رغم أنه كان ملزما بذلك بحسب القوانين.
أكثر من ذلك، وفيما خصّ قضية انفجار مرفأ بيروت فقد عطّلوا عمل المحقق العدلي القاضي طارق البيطار بأساليب ملتوية. أحيل عضو الهيئة العامة لمحكمة التمييز القاضي روكز رزق الى التقاعد، ولم يعينوا بديلاً عنه، وفُقِد النصاب ولم يعد بإمكان الهيئة الاجتماع للبت في هذه الدعاوى. وأصبح إطلاق النار على العدلية مركزاً وليس عشوائياً”.
ويضيف صادر: “قانون استقلالية القضاء ما زال عالقاً في مجلس النواب، مضى أكثر من اثني عشر عاماً على دراسته، وفي كل مرة يخرجونه من الدرج ليعيدوه إليه مجددا. لا يريدون لهذا القانون أن يصدر، لا يريدون أن يصبح مصير القضاة بأيدي القضاة، وغير مرتبط بالسياسة. وبالتالي علينا أن ننتظر رئيس الجمهورية المقبل، لنرى من سيكون وما هي سياسته تجاه العدلية، وهل ستكون إصلاحية فيطلق يد القضاة، ويحيط نفسه بفريق عمل “مرتب”. لذلك، أول أمر يجب أن يقوم به الرئيس الجديد هو الاهتمام بالعدلية وإعادة نوع من الاستقلالية إليها. أما إذا جاء على طراز من سبقه، فنكون كمن يطلق النار على قدميه، وسيظهر عندها للعيان أن كل حكامنا لا يريدون عدلية. والأدهى أننا نعيد انتخابهم من جديد”.
وعمن سيخلف عويدات يقول: “هناك احتمالات عدة، لكنها جميعها تحمل سيئات، لأن الاساس هو التعيين من قبل مجلس الوزراء، إلا أن الحكومة مستقيلة ولم تنل ثقة المجلس النيابي، إذاً لن يحصل تعيين. لكن سيحل مكانه شخص ما، وهنا نحن أمام احتمالين، الاول حصول انتداب من قبل وزير العدل يوافق عليه مجلس القضاء الأعلى، لكن هنا أيضا يبدو ان الوزير والتيار الذي يتبع إليه ليسا في وارد القبول بالانتدابات. إذاً هذا الاحتمال مستبعد.
الاحتمال الثاني، تعيين الأعلى درجة، وهي القاضية ندى دكروب، واعتقد أنها بلّغت المعنيين عدم رغبتها في تسلّم هذا المنصب، إذا هذا الاحتمال أيضاً مستبعد. اما الاحتمال الثالث والمرجح، فهو بالاستناد الى المواد 25 و 26 من قانون القضاء العدلي، ان الرئيس الاول لمحكمة التمييز، عند شغور مركز من قضاة محكمة التمييز والنيابة العامة هي أيضاً تتبع لمحكمة التمييز، ينتدب هو من يراه مناسباً من قضاة محكمة التمييز لملء الشغور. بالنتيجة 90 في المئة، هذا هو الخيار لعدم حصول فراغ”.
المصدر: وكالة الأنباء المركزية