إيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، كأنه حين اطَّلع على عملية اغتيال صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، تذكَّر «عملية فردان» التي قادها شخصياً منذ نصف قرن (نيسان 1973) حين نزل إلى شاطئ الرملة البيضاء في بيروت وانطلق إلى إحدى الشقق في منطقة فردان، واغتال القادة الفلسطينيين الثلاثة، كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار.

بعد خمسين سنة، لم تعد عمليات الإغتيال تتطلَّب عناصر بشرية، كما كان من قبل، تصل إلى مكان تنفيذ الإغتيال، بل حلَّت محلها التكنولوجيا المتطورة جداً التي تصل إلى الهدف عبر مسيَّرة أو عبر صاروخ موجَّه عبر الأقمار الصناعية، أو عبر غارة جوية تطلق صواريخ فائقة الدقة.

منذ بدء «حرب غزة» أو ما اصطُلِح على تسميتها «طوفان الأقصى»، والتكنولوجيا هي السلاح الأمضى، سواء في غزة أو في جنوب لبنان، في الجنوب كان النِزال على أشدِّه بين «حزب الله» وإسرائيل: ضرب «حزبُ الله» كل كاميرات المراقبة التي زرعتها إسرائيل على طول الشريط الشائك، وتحدَّث عن أنه «أعمَى» العدو، لكن الرد جاء من خلال «استعانة» اسرائيل بالكاميرات المنصوبة في القرى والبلدات الحدودية اللبنانية الموصولة على شبكات الإنترنت، من خلال الدخول إليها، مستخدمة تكنولوجيا متقدمة نسبياً، تُضاف إليها المسيَّرات التي لم تغب عن سماء الجنوب منذ لحظة اندلاع الحرب على غزة.

حرب التكنولوجيا هذه تسببت لـ»حزب الله» بخسائر فادحة في الأرواح، قاربت المئة والأربعين قتيلاً، ويُسجَّل في هذه الحرب في الجنوب أنّ عدد القتلى هو أعلى من عدد الجرحى، وهذه سابقة في تاريخ الحروب ولا سيما في محطات الحروب بين «حزب الله» وإسرائيل.

وفي سياق حرب التكنولوجيا هذه، ينحسر دور العنصر البشري لمصلحة التكنولوجيا، هذا التحوّل قد يدفع «حزب الله» إلى التعديل في أدائه الإستخباري، من خلال الخطوط العريضة التالية:

رفع مستوى السريَّة في أدائه وتحركاته ولا سيما رجال الصف الأول فيه، في مختلف الاختصاصات والمهمات والمسؤوليات. يحدث ذلك مباشرةً عند وقوع عملية الإغتيال، خشية أن تكون هناك عمليات تليها. ثم يُصار إلى إحداث تبديلات في الحمايات التي تتولاها عناصر بشرية، إلى حين استتباب الوضع.

عادة ما تكون هناك «خطة باء» لحماية الشخصيات، ويتم تفعيلها عند أي انفجار أو اغتيال، وألف باء هذه الخطة هو التواري.

السؤال الكبير هنا هو: كيف سيتم استخلاص العبر مما حصل؟ إذا لم يتم تبديل طبيعة الرد، فإن مقولة «نحتفظ بحقنا في الرد في المكان والزمان المناسبين»، إلى ما يشبه جرعة رفع المعنويات لا أكثر ولا أقل، وحين يستمع الإسرائيلي إلى هذه المقولة فإنه يتنفس الصعداء، وكم من مرة تنفس الصعداء؟

 

 

 

 

 

الكاتب: جان الفغالي

المصدر: نداء الوطن