منذ السابع من تشرين الأول الماضي وتفجر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ربط حزب الله مصير جنوب لبنان بالصراع المستمر منذ نحو 4 أشهر بين إسرائيل وحركة حماس.
غير أن التململ بدأ يزداد بين اللبنانيين من ابناء القرى الجنوبية عامة وداخل البيئة الشيعية خاصةً، لاسيما بسبب حجم الخسائر البشرية والمادية التي يتكبّدونها في ظل انهيار اقتصاديي عيشه لبنان منذ العام 2019.
فقد أضطر أحمد (اسم مستعار) إلى ترك بلدته عيترون (سكانها من الطائفة الشيعية ومحسوبة على حزب الله) المتاخمة للحدود جنوب لبنان، واللجوء مع عائلته إلى بيروت هرباً من اصوات المدافع والغارات الاسرائيلية بعدما كان لبلدته النصيب الأكبر من الاستهدافات الإسرائيلية التي تضرب قرى الجنوب منذ أكثر من ١٠٠ يوم.
“حياتنا انقلبت”
وقال لـ”العربية.نت” “بعد أكثر من ١٠٠ يوم على الحرب اضطررنا لترك بلدتنا نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل ولجأنا إلى أحد أقاربنا في بيروت”.
كما أكد أن “حياتهم انقلبت رأساً على عقب”. وقال:” بيوتنا دمّرت بالقصف العنيف ومحاصيلنا الزراعية تضررت بشكل كبير نتيجة القذائف الفوسفورية التي يُلقيها الجيش الاسرائيلي، وللأسف لم تسألنا اي جهة رسمية وغير رسمية عمّا حلّ بنا. وحالتنا كحال عائلات عديدة نزحت من عيترون “.
إلى ذلك، أشار إلى “أن عائلته المكوّنة من ٦ افراد كانت تعتاش من السوبرماركت التي يملكها في عيترون، لكنه الآن لا يعرف ماذا حلّ بها وبالبضائع”
تعبنا من الحرب
وأضاف قائلاً “تعبنا من الحرب ونتمنَى الانتهاء منها والعودة الى حياتنا الطبيعية التي لم تكن بالاساس طبيعية منذ الازمة الاقتصادية التي ضربت لبنان في خريف العام ٢٠١٩”. وتابع “لا نريد شيئاً من الدولة إلا وقف الحرب كي نعود إلى بيوتنا وارضنا”.
بدوره، تمنى محمد (ايضاً اسم مستعار) ابن مدينة بنت جبيل (غالبية شيعية) وقف الحرب الدائرة في الجنوب اللبناني. وقال لـ”العربية.نت” “إسرائيل عدوتنا جيمعاً وهي تعتدي يومياً على سيادتنا، لكننا تعبنا .. فالآثار الاقتصادية ثقيلة جداً على قرانا وبلداتنا التي كانت تعاني أصلاً قبل الحرب”.
كما أردف “بدنا نرجع لحياتنا قبل ٧ تشرين الأوّل. صرنا نازحين ببلدنا”. وأسف محمد لتخلّي الجهات الرسمية المعنية عن مسؤولياتها تجاه اهل الجنوب النازحين.
وقال “لولا المساعدات التي تأتينا من أقاربنا خارج لبنان لكان الوضع أكثر سوءا”.
إلى ذلك، كرر امنيته قائلا “نتمنى ان تنتهي الحرب اليوم قبل الغد كي نعود إلى بلدتنا ونتفقّد الأضرار ونعمل على إصلاحها لنستأنف حياتنا بشكل طبيعي”.
من جهته، أوضح غابي الحاج ابن بلدة رميش (ذات الغالبية المسيحية) الحدودية لـ”العربية.نت” أن ٨٠٪ من ابناء بلدته نزحوا باتّجاه مناطق في بيروت وجبل لبنان”. وقال “اضطرينا للنزوح من بلدتنا بسبب القصف الاسرائيلي فتوقفت أشغالنا، وأُجبر أولادنا على العودة إلى التعليم عن بُعد بعدما حرموا من الذهاب إلى مدرستهم”.كما أسف لإدخال أهل الجنوب في ” في حرب لا علاقة لهم بها”، قائلا “لم يسألنا أحد إذا كنّا نريدها او لا”؟”وأكد أن “مطلبه كما بقية أهل البلدة انتهاء الحرب والعودة إلى رميش للعيش بسلام”.
إلى ذلك، تساءل “لماذا علينا دفع ضريبة دم عالية وتكبّد خسائر ضخمة من دون سبب مُقنع؟ طبعاً نحن نتعاطف مع اهل غزة ضد العدوانالاسرائيلي، لكن بماذا أفادتهم جبهة جنوب لبنان؟ هل توقّف القصف عليهم؟ هل عادوا الى بيوتهم”؟”
تململ شيعي
بدوره، رأى المؤسس في حركة “تحرُّر” من أجل لبنان، الدكتور علي خليفة “أن هناك كلفة اقتصادية واجتماعية كبيرة للنزوح”، لافتاً إلى أن “الرأي العام الجنوبي يلمس ذلك فعلياً، وحزب الله الذي أعلن الحرب تخلّى عن المسؤولية في هذا المجال ودعا الحكومة الى القيام بواجبتها، مع العلم انه يُدرك انها لا تملك المال الكافي لتغطية كلفة النزوح”.
وقال للعربية.نت “نلمس خلال لقاءاتنا وجود تململ داخل البيئة الشيعية من جدوى استمرار الحرب ومعنى هذا الانتصار في وقت قرانا تُدمّر واهلنا باتوا نازحين داخل وطنهم”.
“جوّ من الترهيب”
إلا أنه أشار إلى “وجود جوّ من الترهيب لا يسمح لأبناء هذه البيئة بالتعبير علناً عن هذا التململ، وذلك تحت عنوان “الا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، وهذا الترهيب يأخذ أوجهاً متعددة منها إطلاق اتّهامات التخوين والعمالة”. واعتبر خليفة (وهو من جنوب لبنان ومعارض لحزب الله) “أن سردية حزب الله حول فتح جبهة لبنان “كجبهة مساندة”ل غزة ، خاطئة، بدليل ما يجري في القطاع، كما ان سياسية الردع التي يروَج لها غير صحيحة بدليل ايضاً توسّع رقعة الاعتداءات الاسرائيلية جنوباً، وبالتالي من يدفع الثمن هم اللبنانيون”. ولفت إلى “ان حزب الله ضبط ساعة تحرَكاته العسكرية على توصيات ايران ومفاوضاتها في المنطقة واستثمارها بدماء الفلسطينيين واللبنانيين”.
قلق بيئة حزب الله
كذلك، قال رئيس تحرير موقع “جنوبية” علي الأمين ل”العربية.نت” “إن هناك قلقاً كبيراً من الحرب داخل البيئة الشيعية بشكل عام وبيئة حزب الله بشكل خاص، ويتطلعون إلى توقّفها بعدما اصبحت فاتورتها كبيرة جداً وعلى مختلف الصعد”. واشار إلى “حزب الله يسوّق بروباغندا الحرب واهميتها، لكن من يزور قرى الجنوب، تحديداً المحسوبة عليه يلاحظ القلق على وجوه سكانها”. ولفت إلى “ان بيئته قلقة ايضاً من حجم الاستهدافات الاسرائيلية التي تطال عناصر وكوادر عليا في حين ان “مستوى” الردّ من قبل الحزب ليس بالحجم ذاته”.
كما اعتبر “ان هذا التململ يُعبّر عنه في حلقات ضيّقة من دون ان يخرج إلى العلن”.
٨٠ الف نازح
يذكر أنه على مدار الثلاثة أشهر ونصف المنصرمة من الحرب في غزة، نزح حوالي ٨٠ ألف شخص من جنوب لبنان، وفق ما أكد الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين. وأشار في تصريحات ل”العربية.نت” إلى “أن اعداد النازحين ازدادت في الفترة الأخيرة مع توسَع رقعة العمليات العسكرية في المناطق الجنوبية”.
كما أوضح أن “العدد الأكبر من النازحين هم من الشيعة، وأكثريتهم لجأ الى أقاربهم في مناطق صيدا وصور والنبطية، فيما العدد الأقل نزح إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث يقطنون في منازلهم”. وتحدّث عن نحو ٣٠٠٠ نازح من قرى وبلدات يارين، الضهيرة، مروحين والبستان والتي كان لها نصيب كبير بالاستهدافات الاسرائيلية، إلى مركز الإيواء المُستحدث في مدينة صور”. ولفت إلى “ان مجلس الجنوب يُقدّم وجبتي غذاء للنازحين في الجنوب ولمن يستضيفهم من اقارب، وذلك بتمويل من الحكومة اللبنانية التي قررت صرف سلفة للمجلس بقية ٣٠٠ مليار ليرة”.
مناوشات يومية
يذكر أن الحدود الإسرائيلية اللبنانية تشهد منذ أكتوبر الماضي وبشكل يومي، تبادلا لإطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، إلا أنه لم يصل إلى حد حرب شاملة، لكنه أدى إلى مقتل 190 لبنانياً على الأقل، بينهم أكثر من 140 عنصراً من حزب الله و3 صحافيين، فضلاً عن نزوح أكثر من 76 ألف لبناني من البلدات الحدودية، وفق فرانس برس.
فيما تتأرجح المنطقة الأوسع بشكل خطير نحو تصعيد كبير للصراع الذي أججته الحرب في غزة.
المصدر: العربية