لقد أصبح واضحاً أنّ قوى محور الممانعة تتعامل مع المسيحيين المعارضين لهذا المحور وطلباته، كأقلية. وإذا كانت قيادات هذا المحور لا تقول هذا الأمر صراحةً إلا أنها بتعاملها مع هؤلاء المسيحيين تعطي أكبر دليل على أنها تعتبرهم أقلية وأن رأيهم لا يقدم ولا يؤخر، وبالأحرى لا وزن له في القرارات المتعلقة بمصير لبنان واللبنانيين. دليل آخر على هذا التعاطي هو ما يعبّر عنه جمهور الممانعة في رده على أي موقفٍ سياسي يتخذه هؤلاء المسيحيون إن لجهة السلاح أو قرار الحرب أو رئاسة الجمهورية، فتأتي الردود على هذا الجمهور بأن «لا يحق لكم إبداء الرأي أو المشاركة في القرار فأنتم أقلية لا تمثل سوى نسبة قليلة من الشعب اللبناني»، ويبدو أنّ هذا الكلام الذي يُردد يسمعه الجمهور في المجالس الخاصة من قياداتٍ ومسؤولين في قوى هذا المحور.
هذا الكلام يدل على أنّ كل ما يقال عن الشراكة الوطنية ما هو إلا سراب وخيال لا وجود عملياً له وأنّ المناصفة التي نصّ عليها اتفاق الطائف ليست محترمة ولا مطبّقة في عمقها ومفهومها الوطني، فالمسألة ليست فقط مناصفةً عدديةً وهي مفقودة في الكثير من المواقع أيضاً. فالمناصفة تعني شراكةً في القرار وهي أتت كي تمنع أي فئةٍ من اللبنانيين من التفرد بالقرار، ولكن الواقع السائد منذ أن بدأ تطبيق الطائف هو أنّ التفرد صفة ممارسة الحكم وقد أخذت رقعة هذا التفرد تتسع تباعاً إلى أن بلغت ذروتها منذ سنوات فاضحت تفرداً في مسائل جوهرية كبيرة وهي رئاسة الجمهورية وقرار الحرب والسلم وإلحاق لبنان بمسار دمر العلاقات مع الدول العربية وأخرج لبنان من المجتمع الدولي وحوله إلى كرنتينا تجمع فيه كل الأوبئة السياسية في العالم.
إنّ هذا التفرد هو الذي دفع المسيحيين في مرحلة ما إلى الإحباط وهو الذي يدفعهم حالياً إلى طروحاتٍ إنفصالية كمثل الفيدرالية أو التقسيم لا سيما وأنّ اللامركزية الإدارية الموسعة التي نص عليها اتفاق الطائف لم تطبق أيضاً، ويبدو أنّ قوى محور الممانعة ترفض تطبيقها عملياً رغم أنّها لا تنفك ليل نهار تعلن عن إعلان تمسكها باتفاق الطائف.
قد يقول البعض إنّ اتفاق الطائف نصّ في المقابل على إلغاء الطائفية السياسة وهذا أمر صحيح ولكن الطائف لم يقل بإلغاء الطائفية السياسية فوراً بل وضع مساراً لإلغائها، علماً أنّه لا يمكن السير بهكذا مسار من دون أن يكون المواطنون اللبنانيون متساوين أمام الدولة لا أن تكون بينهم مكونات تستقوي على الدولة وعلى مكونات أخرى وتعمل على إلغاء الطائفية السياسية بقوة الأمر الواقع والممارسة حتى ولو بقيت المناصب في الدولة موزعة طائفياً، أليس تعطيل انتخاب رئيسٍ للجمهورية هو وجه من وجوه إلغاء الطائفية بالقوة؟ أليس هو تغييب لمكون لبناني أساسي عن السلطة والقرار؟ إنّ الواقع يقول إنّ الشراكة الوطنية لم تعد موجودةً بالفعل وإنّ هناك أكثرية تستقوي على أقلية وبالتالي فإنّ من حق هذه الأقلية أن ترفع الصوت في محاولةٍ منها لتغيير هذا الواقع، ولكن الأهم هو أن تلجأ هذه الأقلية إلى ممارساتٍ لتغيير هذا الواقع وقد تكون الفرصة الأخيرة في الانتخابات النيابة المقبلة حيث يفترض بكل الأقليات السياسية أن تتفاهم لتشكل أكثريةً تفرض على الأقل توازناً لا ينكسر يبدأ بتغيير الواقع الراهن.
المصدر: نداء الوطن
الكاتب: بسام أبو زيد