ليس في العالم بلد تسلّم دولته، مهما تكن ضعيفة، بالتخلي عن دورها السيادي وقرارها لتنظيم إيديولوجي مذهبي كما جرى في لبنان. ولا أحد يجهل لماذا فرض تفاهم سوري – إيراني حصر مقاومة الإحتلال الإسرائيلي بـ»حزب الله»، وكيف تحول ذلك بعد الإحتلال إلى «خصخصة» الدفاع عن لبنان. والأدهى، ليس فقط إتهام كل من يدعو إلى عودة الوضع الطبيعي والقرار للدولة بأنه يُضعف البلد ويخدم العدو بل أيضاً كون «الخصخصة» تتجاوز حماية لبنان إلى دور إقليمي والدفاع عن كل ما يتطلبه «محور المقاومة» بقيادة إيران. لكن جبهة الجنوب التي كانت مغلقة منذ القرار 1701 الذي أوقف حرب 2006 صارت مفتوحة لأطراف مختارة فلسطينية ولبنانية. والحجة هي إسناد «حماس» في حرب غزة عبر «مشاغلة» إسرائيل.

وحتى اليوم، فإن التصعيد محسوب، بحيث لا يؤدي إلى حرب مفتوحة. والسؤال اليومي، وسط التهديد الإسرائيلي بالذهاب إلى «حرب الشمال» هو: هل، وأحياناً متى، يُقدم العدو على تنفيذ تهديداته تحت ضغوط المستوطنين الذين جرى تهجيرهم من الجليل؟ وهل التهديد جدي، كما تحذّر عواصم العالم، أم أنه وسيلة للتوصل إلى حل بالديبلوماسية؟ ماذا عن إستعداد «المقاومة الإسلامية» ضمن «محور المقاومة» الذي كان ولا يزال يركّز في الخطاب على إزالة إسرائيل؟ وبالتالي، هل الحرب المفتوحة خطر أم فرصة؟

الواضح أن لاعبَين كبيرين يمسكان بقرار الحرب المفتوحة: أميركا وإيران. والظاهر، ضمن التباين الأخير بين إدارة الرئيس بايدن وحكومة نتنياهو، أن أميركا باتت تمون جزئياً على إسرائيل التي تدرك صعوبة الحرب من دون الدعم الأميركي، وأن الجمهورية الإسلامية تمون عملياً على «حزب الله». لكن حرب غزة كشفت أمرين مهمين: أولهما أن خطاب طهران و»محور المقاومة» عن انتظار غلطة إسرائيلية للرد بحرب واسعة تقضي على الكيان الصهيوني هو مجرد شعار. وثانيهما أن الحسابات في جمهورية الملالي ومعها «وحدة الساحات ومحور المقاومة» أكبر بكثير من حسابات «حماس».

وبكلام آخر، فإن الحرب المفتوحة هي في نظر طهران، خطر لا فرصة. خطر، يقول الملالي إنه يؤدي إلى ما ليس مرغوباً فيه أقله خلال هذه الأيام، وهو «حرب بين أميركا وإيران». وفرصة يحاول نتنياهو استغلالها لتوريط واشنطن في حرب مع طهران. ففي إعلان البدء بعملية «طوفان الأقصى» دعا القائد العسكري لـ»حماس» محمد الضيف إلى «فتح كل الجبهات» في حرب كبيرة مع إسرائيل. وقبل أيام جدّد دعوة «أبناء الوطن العربي والإسلامي إلى الزحف لحماية المسجد الأقصى وتحرير فلسطين». والرد بقي في حدوده المرسومة إيرانياً، بصرف النظر عن الخطاب العالي السقف. وفي الحالين: لبنان يدفع الثمن.

«كل حروب أميركا حروب خيار» يقول روبرت كاغان. وحرب «المشاغلة» في «وحدة الساحات» هي حرب خيار، وسط الأحاديث من طهران إلى بيروت عن «حرب اضطرار» هي الحرب المفتوحة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الكاتب: رفيق خوري

المصدر: نداء الوطن