وفق نظريّات العقد الاجتماعيّ كان مفهوم حفظ الذّات عنصرًا أساسًا في تكوين العقود بين الجماعات المتناحرة. وقد عرفت الدّساتير الدّيمقراطيّة اللّيبراليّة أهمّيّته حتّى شرّعت حمل المواطنين السّلاح دفاعًا عن أنفسهم. ولعلّ هذه السّلطة الفئويّة نست أنّ الأمن الذّاتيّ حقٌّ، لكنّ الشّعب المسيحيّ في لبنانَ لم ينسَ، ولديه الوعي السّياسيّ الكافي لتنظيم نفسه بغضّ النّظر عن نخبةٍ متردّدةٍ أو مستفيدةٍ أو مفرغةٍ أيديولوجيًّا.

إنّ تزايد الاعتداءات على المسيحيّين لأهدافٍ سياسيّةٍ واضحةٍ يشابه الاعتداءات النّازيّة على اليهود، خطاب الكراهية المتمثّل بشيطنتهم، خطف أفراد فاعلين في مجتمعهم. المسيحيّون في لبنان يعيشون حالة اليهود في جمهوريّة فايمار، والجميع يعلم كيف انتهت جمهوريّة فايمار والفظائع التي تلت تغيير هويّة ألمانيا… بيد أنّ المفارقة هو مقاومة الإثنيّات المسيحيّة لخيار إقصائهم السّياسيّ (وضمنًا إبادتهم). وفي هذا السّياق كلّما أراد المسيحيّ الدّفاع عن نفسه، وهو حقٌّ طبيعيٌّ وشرعيٌّ، تتصاعد الأبواق بالتّهويل بالحرب الأهليّة أو الفتنة، وكأنّ الشّعارات الطّائفيّة للأحزاب الشّيعيّة، وخطاب الكراهية والتّحريض، واعتداءات مناصريهم المنظّمة (عين الرّمّانة)، والإمساك بمفاصل الدّولة (تعيينات فئويّة)، وتهديد مؤسّساتها (تهديد وفيق صفا للقاضي طارق البيطار)… وعلى الرّغم من ذلك تبقى انتفاضة المسيحيّين المظلومين على ظالميهم فتنة.

قد يخلط بعض النّاس بين مفهوم الأمن الذّاتيّ المنظّم وبين تسليح أفراد أو جماعاتٍ غير منظّمةٍ، ما قد يدخلها في صراعٍ مع جماعاتٍ أو أفرادٍ أخرى غير منضبطةٍ. الأمن الذّاتيّ هو تنظيم شرطةٍ أو قوًى محلّيّةٍ من فئةٍ أو جماعةٍ من المواطنين في الدّولة للاعتناء بالأمن المحلّيّ، خصوصًا بعد فشل القوى العسكريّة المركزيّة في ضبط الأمن، خصوصًا إذا كانت الاعتداءات تحمل أبعادًا طائفيّةً وعنصريّةً، كما هي الحال في دول الشّرق الأوسط. وطبعًا يشمل الأمن الذّاتيّ التّدريب العسكريّ الانضباطيّ لعناصرَ محلّيّة  تساعد الدّرك والقوى الأمنيّة وتطمئن السّكّان. أمّا سؤال: كيف يتحقّق الأمن الذّاتيّ؟ فجوابه: بقرارٍ مسيحيٍّ مناطقيٍّ حاسمٍ  وفور اتّخاذ القرار الوطنيّ المسيحيّ تذلّل العقبات التّمويليّة والتّفصيليّة.

إنّ استسهال قتل المسيحيّين مردّه جبن نخبتهم الهرمة، أو تواطؤها، أو فراغها الأيديولوجيّ وتمسّكها بالطّوباويّة واللّبنانويّة ورفضها تقبّل فشل مشروعها الشّعريّ القائم على رسالة لبنان المفترضة، فيما مجتمعها يحتضر، وهي ترفض إنعاشه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: لبنان الفدرالي

الكاتب: جوزف بو شرعه