كثيرة هي العناوين التي يتوقّف مصير البلد عليها، بالعلاقة مع مستقبل الحرب الإسرائيلية على غزّة، أو في شأن أزماته البنيوية المتراكمة، من إنهياره الاقتصادي المتشعّب الأسباب، إلى اهتراء الدولة والمؤسسات وإفراغ مؤسساته الدستورية من مضمونها. إلّا أنّ الأزمتين الأكثر تهديداً لمصيره هما الحرب الدائرة في الجنوب التي قد يؤدّي توسّعها نحو حرب شاملة إلى دماره، وأزمة النازحين السوريين التي هي الأخرى قد تغيّر هويته. فهاتان المعضلتان تجعلان من معالجة أزمته الاقتصادية ومن اهتراء مؤسساته وتفريغها من أدوارها، والتي يعمّقها استمرار الشغور الرئاسي، مستعصية على الحلّ حتى لو انتخب رئيس جديد للجمهورية. ومع ذلك فإن العقوبة الأكبر التي قد يتعرّض لها لبنان واللبنانيون هي، كما قال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في ختام زيارته إلى لبنان قبل عشرة أيام، عدم دعوته إلى المؤتمرات وطاولات التفاوض التي ستنعقد بعد انتهاء حرب غزّة من أجل صوغ التسويات الإقليمية التي يجري التحضير لها. وهذه التسويات تشمل إعادة الإعمار والنهوض بالاقتصادات المنهارة في المنطقة، بدءاً من غزة التي ستكون لها الأولوية.

فمن دون وقف النزيف والدمار جنوباً، ومن دون إقفال باب الحرب من بوابة المشاغلة والمساندة، ومن دون إقفال الحدود على استمرار النزوح السوري غير الشرعي وغير المنظّم والمجهول العدد مع كل انعكاساته الإجتماعية والسياسية، ومن دون انتخاب رئيس للجمهورية، يستحيل تجنّب تحوّل لبنان إلى دولة فاشلة تعتاش على المساعدات الإنسانية لا الاقتصادية.

آثار الفوضى في النزوح السوري على المدى المتوسط هي ديموغرافية في الدرجة الأولى استخف بها العديد من القوى السياسية التي تستفيق بين الفينة والأخرى على الملف ثم تعود إلى السبات بحجّة أن العقبة أمام حلّ المشكلة دولية والحلّ يأتي من الدول الكبرى. ومن كثرة ربط القيادات الفاعلة أزمة الحرب في الجنوب والشغور الرئاسي والإنهيار الاقتصادي بالدول الكبرى، باتت الحلول لأي مشكلة تُرمى على هذه الدول. والأخيرة كما ثبت للطبقة السياسية المحلية، لا تلتفت الا إلى مصالحها.

همّ أوروبا منع الهجرة إلى دولها. وإذا كان مفهوماً التحذير من أن تكون هبة المليار دولار التي أُعلن عنها «رشوة» لإبقاء النازحين، فإن المغالاة في رفع الصوت ضدّ حصول لبنان عليها يخفي نوعاً من العجز الرسمي والسياسي الداخلي. بصرف النظر عن الهبة، فإن قيام السلطة والقوى السياسية بما عليها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: نداء الوطن

الكاتب: وليد شقير