بعد مؤتمر بروكسل “لدعم مستقبل سوريا والمنطقة”، انتقل لبنان إلى مرحلة عنوانها: الإصرار على إعادة اللاجئين السوريين، وتحدي إرادة المجتمع الدولي، الذي أكد على موقفه الرافض لعودة أكثر من 5 ملايين لاجئ إلى سوريا، في الظروف الحالية، ومع وجود نظام بشار الأسد والقطيعة الغربية معه.
اللافت هذه المرة في موقف لبنان الرسمي، الذي أعلنه من بروكسل في 27 أيار وزير الخارجية، عبد الله بو حبيب، وأكدت عليه الحكومة في جلسة 28 أيار، هو المضي بخطته لإعادة اللاجئين، ولو كان وحيدًا من دون أي تأييد دولي.
ربطت حكومة نجيب ميقاتي وقبلها البرلمان، قرارها بالإجماع السياسي الأول من نوعه، وباعتباره مقرونًا بسيادة لبنان، علمًا أنه لم يبق منها إلا القليل منذ زمن الوصاية السورية وحتى ما قبلها.
لا شك أن الشعبوية والاستثمار السياسي، يحكمان مختلف المواقف والقرارات في ملف اللجوء السوري. لكن الفارق راهنًا، أن لبنان وضع نفسه في مأزق داخلي وخارجي، بعدما أعلنت الحكومة سقفًا زمنيًا مدته سنة واحدة كحد أقصى لإعادة نحو 2 مليون لاجئ إلى سوريا، إضافة إلى توالي القرارات الأمنية والإدارية والبلدية للضغط في اتجاه عودتهم.
النتيجة معروفة: لن يتمكن لبنان من تنفيذ مخططه بإعادة اللاجئين السوريين. فلا المجتمع الدولي سيسمح بذلك، ولا سوريا ستفتح ذراعيها للاجئيها في لبنان من دون ثمن. هذا ما أظهرته قافلة العودة الأخيرة التي نظمها الأمن العام اللبناني في 14 أيار، والتي كانت بتنسيق رسمي مع الجانب السوري، فجذبت 330 لاجئًا فقط. وأقله، لن يتمكن لبنان من إعادة اللاجئين، طالما أن هناك أكثر من 375 كيلومتراً من الحدود، تحولت إلى ما يشبه مسرحاً مشرعاً للتهريب غير الشرعي عند الحدود بين لبنان وسوريا.
لكن لبنان اليوم، حكومة وبرلمانًا وأجهزة أمنية، ألزم نفسه بورقة توصيات وبسقف زمني وبإجراءات لا تحصى، فحواها أن “القرار اتخذ لإعادة السوريين”. حتى وإن كان لبنان غير قادر على إعادتهم، لكنه سيفعل أي شيء لإثبات الاستمرار بالخطة، لا سيما أن قضية اللاجئين السوريين، هي الميدان الوحيد الذي تستثمر فيه السلطة، للقول أن ثمة دولة موجودة وأن أجهزتها تعمل. وهو الملف الوحيد أيضًا، الذي تستخدمه الأحزاب السياسية لإثارة مخاوف الوجود والمستقبل والديمغرافيا، لدرجة أن بعض النواب والمسؤولين تنبأوا أن لبنان بعد نحو عشرين عامًا، سيصبح بلدًا كاملًا للسوريين.