المصرف المركزي لم ينشر بعد ميزانيّته نصف الشهريّة، التي تعكس وضعيّته الماليّة حتّى نهاية الشهر الماضي، والتي كان من المفترض أن يُفصح عنها منذ اليوم الأوّل من هذا الشهر. وعلى النحو نفسه، تجاهل المصرف نشر هذه الميزانيّة بعد انقضاء النصف الأوّل من الشهر الماضي.
آخر جدول يلخّص هذه الميزانيّة، جرى نشره في مطلع الشهر الماضي، بما يعكس وضعيّة المصرف في نهاية شهر نيسان. باختصار، توقّف مصرف لبنان منذ شهر وأسبوع عن نشر الميزانيّة نصف الشهريّة، وهو ما لم نعرفه في أسوأ مراحل الأزمة، أيّام الحاكم السابق رياض سلامة.
الدخول في الأرقام الأخرى التي ينشرها المصرف المركزي، في الخانات المخصّصة لكل مؤشّر على حدة، لا يقدّم الكثير. بعض هذه الأرقام لم يتم تحديثها منذ أواخر شهر شباط الماضي، أي منذ اعتماد سعر الصرف الجديد المتماهي مع سعر السوق الفعلي. هذا ما ينطبق مثلًا على جدول الموجودات الخارجيّة، التي تشمل احتياطات العملات الأجنبيّة واحتياطات الذهب.
وبعض الأرقام الأخرى باتت مصفّرة، بعد إقحام تعديلات مفاجئة على الميزانيّة، من دون إيضاح المعايير المحاسبيّة التي جرى اعتمادها لذلك. والموقع الرسمي بأسره صار مجرّد أرقام عبثيّة لا تقدّم للقارئ أو الباحث أي قيمة مضافة، على مستوى فهم واقع مصرف لبنان ووضعيّته الماليّة.
لم نعرف هذا الواقع في أحلك أيّام رياض سلامة. في أحلك أيّام رياض سلامة، كنّا نرى الميزانيّة النصف شهريّة في نهاية الشهر ومنتصفه.
اعتاد سلامة على خلط الإلتزامات المترتبة على المصرف المركزي بالعملتين المحليّة والأجنبيّة، طوال سنوات ما قبل الأزمة، في مقابل التصريح عن الموجودات السائلة بالعملات الأجنبيّة، والمعروفة باحتياطات المصرف. وفي الوقت نفسه، كان رقم الاحتياطات يشمل أصولاً لا تمثّل احتياطات سائلة بالفعل، مثل سندات اليوروبوندز التي يملكها مصرف لبنان.
التجربة السابقة تُظهر أن ضُعف معايير الإفصاح المالي كان كفيلًا بمراكمة أسباب الكارثة التي نشهدها، فكيف سيكون الحال مع امتناع المصرف عن نشر أرقامه كليًا؟ ومن ناحية أخرى، أظهرت التجربة السابقة نوعيّة السياسات الخطيرة التي يمكن اعتمادها بمجرّد إخفاء بعض المعلومات، فما هي النتائج التي ستترتّب على إخفاء المعلومات بشكل كامل؟
وهذا تحديدًا ما يدفعنا اليوم إلى السؤال عن طبيعة التغيّرات التي يخفيها مصرف لبنان اليوم، عبر التغاضي عن نشر الأرقام، وتطبيع فكرة أنّ المصرف المركزي لا يملك ما يعلنه أمام اللبنانيين.