بعد هزيمة العرب في حرب 1967 ادرك الفلسطينيون ان الدول العربية عاجزة كليا عن تحرير فلسطين فأطلقت منظمة التحرير الفلسطينية والتي كانت غايتها الاساسية تحرير واعلان دولة فلسطين.
نظم الفلسطينيون انفسهم عسكريا في الاردن لاطلاق عمليات حربية على اسرائيل ولكن سرعان ما ضربهم الملك الاردني وطردهم من فلسطين. استوعبت سوريا سريعا الضربة الاردنية ومنعت المنظمات الفلسطينية من العمل عبر اراضيها لكنها سمحت لهم بالانتقال الى لبنان وزودتهم بالسلاح. لعب الفلسطينيون على التناقضات اللبنانية واستغلوا صعود نجم جمال عبد الناصر، فباتت الدولة اللبنانية بين سندان عبد الناصر اقليميا ومطرقة الفلسطينيين داخليا، فبدأ العهد الشهابي المتمثل بالرئيس شارل حلو بتقديم التنازلات الواحدة تلو الاخرى حتى تم توقيع اتفاق القاهرة عام 1969 الذي اعطى الفلسطينيين حق اطلاق عمليات حربية من جنوب لبنان بإتجاه اسرائيل وتوالت الردود الاسرائيلية.
اذا كان اتفاق القاهرة هو اول اعلان رسمي لبناني عن التنازل عن سيادته لصالح الفلسطيني، فإن القبول بالمعادلة الخشبية “جيش، شعب ومقاومة” هو التنازل الثاني للدولة اللبنانية لصالح ميليشيات محلية بأجندة ايرانية.
وتماما كما خسرت الدولة اللبنانية قرار السلم والحرب مع اسرائيل من خلال اتفاق القاهرة، فهي تخسر هذا القرار ايضا مع ميليشيا ح*ب الله وهو ما اكدته تصريح رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي بأن لا صلاحية لحكومته بقرار السلم والحرب.
وكما قسم اتفاق القاهرة اللبنانيين بين مؤيد ومعارض للكفاح المسلح الفلسطيني، ينقسم اللبنانيين اليوم ايضا عاموديا بين مؤيد ومعارض لسلاح ميليشيا ح*ب الله.
واذا كان اتفاق القاهرة عطل دور الجيش نتيجة التدخلات السياسية، فإن الحال اليوم ليس افضل بكثير مع كل التدخلات السياسية في التعيينات الامنية في لبنان اضافة الى تثبيت بؤر امنية عصية على الدولة واجهزتها وتخضع لقوانين الميليشيات.
المفارقة الوحيدة بين الامس القريب واليوم، ان الطبقة السياسية في الامس احترمت الدستور والمهل الدستورية حتى أخر رمق، فتعطلت فقط الانتخابات النيابية بينما سارت مؤسسات الدولة بالحد الادنى ولم تتعطل الانتخابات الرئاسية الا بعد انتهاء عهد الرئيس امين الجميل من قبل نفس الاشخاص الذين يستلمون مقاليد الحكم والذين يعطلون كل شيء في الدولة ويختلفون على كل شيء حتى تعيين مأمورين الاحراج.
حافظ القضاء اللبناني على نزاهته رغم حكم الميليشيات وما اكثرها، اليوم زيارة واحدة لوفيق صفا الى محقق عدلي منع كشف الحقائق في انفجار مرفأ بيروت وعطل كل المسار القانوني لكشف الحقيقة.
كل تلك التجاوزات “القليلة” في الماضي ادت الى 13 نيسان 1975 فإلى ماذا ستؤدي تجاوزات اليوم السياسية اذا ما اضفنا اليها الضائقة المالية والاجتماعية وشعور كل الاطراف اللبنانيين بخطر وجودي عليهم؟