في 4 آب 2020 تدمر مرفأ بيروت. نعلم منذ اللّحظة الأولى، أنّ إسرائيل، قصفت المرفأ بطائرة شبح (إف 35). سمعنا هدير الطّائرة مثل ألوف اللّبنانيّين في محيطنا الجبليّ بجوار بيروت. سمعنا الإنفجار الذي حصل. قلت لزوجتي فورا، أنّه خرق لجدار الصّوت، أو صاروخ.
سمع سكان جزين المدافع الرّشاشة المضادّة للطّيران تطلق رشقاتها على الطّائرة خلال عودتها من مهمّتها. أسرعنا لنتابع الأخبار. سمعنا مذيعيّ الأخبار في تلفزيون أم تي في، يتحدّثان عن حريق في مخزن في المرفأ، وينقلان صورا مباشرة لإطفائيّين يهرعون لإطفائه. قطع المذيع مشاهد الصّور من المرفأ، لينقل أنّ بنيامين نتيناهو، صرّح بأنّ إسرائيل قصفت مستودعا في المرفأ يحتوي أسلحة للـ “مقاومة”. بعد دقائق، حصل انفجار هائل، إهتزّ بيتنا على الجانب الشّرقيّ من الجبل المطلّ على بيروت. وبدأت معالم الكارثة تتّضح.
قصف مستودع أسلحة حزب إيران في المرفأ وحريقه، نفث حرارة كبيرة أدّت إلى إنفجار أطنان من مادّة النّيترات، وصف العالم ما حصل في بيروت، بأنه أكبر كارثة بعد تشرنوبيل. لطالما رددنا أنّ وطننا ساحة حرب مفتوحة ومستمرّة منذ عام 1969. كنّا مقتنعين أنّ ما حصل، هو جزء من الحرب المستمرّة بين إسرائيل وأعدائها. وكالعادة الحكومة لن تقدم على أيّ إجراء عمليّ، لأنه سيفضح مسؤوليّتها، ويدينها.
طالب رؤساء أحزاب بتأليف هيئة تحقيق دوليّة، التي يفترض أن يشكلها مجلس الأمن على غرار ما قام به بعد اغتيال الرّئيس الحريري. لم تطالب الولايات المتّحدة بإنشاء الهيئة. فالولايات المتّحدة، لن تسمح بإدانة إسرائيل.
كان واضحا لواشنطن كما ولندن أنّ النّيترات التي سبّبت هذه المأساة، كانت مخبّأة في المرفأ بحماية المقاومة، وبتغطية من الحكومة، بغرض استخدامها في البراميل المتفجّرة في حرب بشّار الأسد ضدّ شعبه. عائلة الأسد، ألتي استخدمت الأسلحة الكيميائيّة ضدّ شعبها في الثمانينات، والتي لم تتردّد في استخدام النّيترات ضدّهم أخيرا، هي التي تنازلت عن الجولان عام 1967. وهي التي خاضت الحروب مع أميركا وإيران ضدّ العراق. وهي التي كانت تعمل جاهدة للقضاء على إستقلاليّة المقاومة الفلسطينيّة، ممّا ينهي أيّ دور فلسطينيّ في التّفاوض على سلام محتمل مع إسرائيل. وهي التي حمت أيضا إيران الخمينيّة في انتشار فكرها الإيديولوجيّ في المنطقة.
يستثمرّ شعبنا وقودا في حروب الشّرق الأوسط، والأمور تزداد تدهورا. الصّمت على جريمة المرفأ، حالة من عشرات الحالات التي دفع شعبنا ثمنها بتواطؤ السّياسيّين المحلّيّين، لنزاعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل. أشبعونا شعارات بتحرير القدس ولو من طريق جونية. يتهمون كلّ من يطالب بوقف استخدام بلدنا ساحة لحروب الآخرين، بالخيانة والعمالة. والله، لا خائن وعميل أكثر من الذي يبيع صوته، وبيته، وأرضه، ووطنه، بالدّولار الأخضر.