لا يكفي أن يبرّر وزير المال في حكومة تصريف الأعمال خلو مشروع موازنة 2025 من ضرائب ورسوم جديدة على الفقراء ومحدودي المداخيل، كي يرتفع بالموازنة إلى مصاف الموازنات الهادفة. فالمشروع، وإن خلا من ضرائب جديدة، واكتفى بعشرات التعديلات الضريبية التي ستثقل كاهل اللبنانيين، إلا أنه خلا أيضاً من الضرائب على أصحاب الثروات والمنتفعين من الأملاك العامة. كما خلا من الضرائب الهادفة إلى إرساء بعضٍ من العدالة الاجتماعية التي لا تغيب عن مشروع الموازنة فحسب، بل تغيب عن سياسة الحكومة ككل.
تحييد أصحاب الثروات
عمدت وزارة المال في مشروع موازنة 2025 إلى إدخال عشرات التعديلات الضريبية، التي ستضمن زيادة الإيرادات بشكل بارز، ملقية الثقل الأكبر من الزيادات على تلك التي تطال كافة شرائح المجتمع، بمن فيهم الفقراء ومحدودي المداخيل والمعدمين. علماً أن المشروع نفسه غيّب أبوابَ عديد من الضرائب التي من شأنها رفد المزيد من الإيرادات المالية على الخزينة.
فوزارة المال، ومن خلال مشروع موازنة 2025، لا تزال تدور في الحلقة الفارغة نفسها، زيادات على السلة الضريبية يقابلها زيادة بنسب الفقر والعوز. ويستغرب مراقبون عجز وزارة المال عن تأمين إيرادات ضريبية من أصحاب الثروات. فلماذا لم تتم زيادة الضرائب على الأرباح الصافية، ولماذا لم تُفرض ضريبة على أرباح المقيمين من استثماراتهم في الخارج؟ وماذا عن الضريبة التضامنية والضريبة على الثروات والضريبة على الأملاك البحرية المنهوبة؟ وماذا لو استحدثت وزارة المال ضريبة بنسبة 1 في المئة على ذوي المداخيل التي تفوق سقف معين؟
والأهم من كل ذلك، لماذا لم تستحدث المالية في مشروع موازنة 2025 ضريبة على المقالع والكسارات؟ مع التذكير بمستحقات قطاع المقالع والكسارات لصالح الخزينة، التي لا تقل عن 2.39 مليار دولار، أي ما يوازي أكثر من 50 في المئة من حجم الموازنة العامة الإجمالية. تلك المستحقات تشمل التكاليف التنظيمية والضريبية، والتعويضات عن التدهور البيئي والتأهيل. وقد جرى تقديرها بعد دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة البيئة، بناء على مسح أجراه الجيش اللبناني، شمل أكثر من 1230 مقلعاً. تلك الثروات تخطّتها وزارة المال لتفرض زيادات على ضرائب ورسوم تطال مباشرة الشرائح الاجتماعية الضعيفة.
ويبقى أخطر ما غاب عن مشروع الموازنة استراتيجية الحماية الاجتماعية. فالحديث الدائم عن استراتيجية الحماية الاجتماعية وتمويلها على مراحل، لم يُترجم في موازنة 2025 حتى اللحظة. كما غاب عن مشروع الموازنة أي تخطيط في الحماية الاجتماعية، علماً أن أبرز الأزمات اليوم تتمثل بكون غالبية اللبنانيين يعيشون خارج أي إطار من أطر الحماية الاجتماعية، وهو ما يزيدهم فقراً وعوزاً.
الزيادات الضريبية على “الفقراء”
في تقرير وزير المالية، يصف التعديلات الضريبية بعملية “تصحيح” لا تشكّل أي عبء على المواطنين، غير أن احتساب مشروع الموازنة للإيرادات الضريبية، يفضح حجم الثقل الفعلي الذي ستتركه تلك العملية “التصحيحية” على المواطنين.
ارتفع حجم الإيرادات الضريبية في مشروع موازنة 2025 نحو 931 مليون دولار عن موازنة 2024، ويفوق إجمالي الإيرادات الضريبية نسبة 80 في المئة من حجم الموازنة. وتتأتى الإيرادات الضريبية من مسارين للضرائب. الأول، ضرائب غير مباشرة وتشكّل نسبتها قرابة 66 في المئة من مجمل الضرائب. والثاني، ضرائب مباشرة ونسبتها لا تزيد عن 17 في المئة من مجمل الإيرادات الضريبية.
أما إيرادات الضرائب غير المباشرة، فتعود إلى العديد من الضرائب التي تطال كافة شرائح المجتمع، وتقع بشكل أساسي على الاستهلاك، خصوصاً الضريبة على القيمة المضافة التي تشكّل الباب الأساسي للإيرادات، وتطال كافة اللبنانيين، خصوصاً الفقراء. ويضاف إلى الضرائب غير المباشرة، رسم الاستهلاك الداخلي للسيارات والرسوم على المحروقات وعلى التبغ والتنباك، والرسم الجمركي ورسم الطابع المالي. وغالبية هذه الضرائب تطال مباشرة ذوي المداخيل المتدنية.
أما الإيرادات غير الضريبية، فلا تزيد نسبتها في مشروع موازنة 2025 عن 20 في المئة من مجموع الإيرادات. وقد زادت عن موازنة 2024 بنحو 205 ملايين دولار فقط. وتتأتى الإيرادات غير الضريبية من تحصيل الإدارات والمؤسسات العامة وعموم أملاك الدولة، ومنها إيرادات كازينو لبنان ومرفأي بيروت وطرابلس ومطار بيروت والاتصالات واليانصيب، بالإضافة إلى الكثير من الرسوم والمعاملات الإدارية.
وكيف يمكن أن تزيد الإيرادات غير الضريبية في بلد تتعطّل فيه الإدارات والمؤسسات العامة، في ظل الإضرابات المستمرة من قبل العاملين فيها، والعاجزين عن ممارسة أعمالهم والحضور إلى مكاتبهم، بسبب تدني مداخيلهم. وبدلاً من صوغ حلول جذرية لمسألة الرواتب والأجور بما يتلاءم ومعيشة الموظفين والأجراء، تستمر الحكومة بتسويف المطالب العمالية وتتعمّد وزارة المال تجاهل تصحيح الرواتب والأجور في مشروع موازنة 2025.