كُتِب على لبنان منذ نشأة الكيان الإسرائيلي عام 1948، معاناة الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة، تحت عناوين مختلفة، كانت تؤدي باستمرار إلى تدمير بيوتهم وحقولهم ومصالحهم، فضلاً عن نزوحهم عن قراهم مرة تلو مرة، وفي أعقاب كل اجتياح أو توغل، يعودون إلى دفن موتاهم وبناء بيوتهم من جديد بانتظار اجتياح آخر وكأنها تراجيديا كتبت عليهم، لكن الحرب الأخيرة بلغ النزوح حده الأعلى بعد إعلان حزب الله حرب “المساندة” على إسرائيل.

في آذار 1978 قادت الفلسطينية دلال المغربي فرقة “دير ياسين” المكونة من 12 فدائياً، للقيام بعملية للسيطرة على حافلة عسكرية إسرائيلية والتوجه إلى تل أبيب لمهاجمة مبنى الكنيست، بهدف الضغط على الإسرائيليين لإطلاق سراح بعض الأسرى الفلسطينيين ضمن عملية عرفت باسم “عملية كمال عدوان” الذي اغتالته إسرائيل في بيروت عام 1973. بعد تنفيذ العملية ورداً على الهجوم، قرر الإسرائيليون تنفيذ “عملية الليطاني” سعياً للقضاء على المجموعات الفلسطينية المسلحة جنوب لبنان وإقامة منطقة أمنية تمتد 10 كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية.

بعد مضي ثلاثة أيام على عملية “كمال عدوان”، وفي الـ 14 من آذار 1978 باشر الجيش الإسرائيلي هجومه البري على الجنوب بقوة قوامها نحو 25 ألف جندي. وبحلول نهاية اليوم الأول من الغزو، تمكنت القوات الإسرائيلية من السيطرة على ما لا يقل عن خمسة مواقع فلسطينية جنوب نهر الليطاني، وتبع ذلك قصف ميناء صور.

أدت العملية إلى نزوح كبير للسكان المحليين، إذ ترك مئات الآلاف من اللبنانيين والفلسطينيين منازلهم هرباً من القصف والغارات. في أعقاب العملية، أقامت إسرائيل منطقة أمنية في الجنوب، ظلت تحت سيطرتها لأعوام عدة. بعدها أصدر مجلس الأمن الدولي قراره المعروف رقم 425، مطالباً بانسحاب القوات الإسرائيلية وإنشاء قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان “يونيفيل” للمساعدة في حفظ السلم والأمن. بعد ثلاثة أشهر من العمليات العسكرية، بدأ الجيش الإسرائيلي بالانسحاب من جنوب لبنان، لكنه ترك منطقة أمنية تحت إشرافه.

عام 1982 اجتاحت اسرائيل لبنان وصولا الى بيروت ايضا ردا على اغتيال فلسطينيين احد السفراء الاسرائيليين في اوروبا، وبعد انسحابها من بيروت حافظت على المنطقة الحدودية التي انسحبت منها عام 2000. واليوم ونتيجة مشاركة لبنان في حرب الاسناد تتحضر فرق اسرائيلية للدخول الى لبنان مجددا وكأن المجتمع اللبناني بكل اطيافه لم يتعلم من تجارب الماضي القريب والبعيد.