عام 1956 ألقى كمال جنبلاط محاضرة في الندوة اللبنانية جاء فيها، “لبنان وجد لكي يكون بلد العقل. بلد العقلانية. أثينا في الشرق الأوسط. ولسوانا أن يتلهي أو يجازف بلعب دور إسبارطة، فهو ليس دورنا”. رؤية حكيمة. لكن المخيف والمقلق أن لبنان خسر دور أثينا ليصبح إسبارطة مهدمة.

من الطبيعي أن تتصرف الجمهورية الإسلامية على أساس أن لبنان هو المقاومة الإسلامية بعد ان نجح حزب الله في استيراد الثورة الاسلامية اليه وطبيعي بعد كل الاموات التي انفقت وكل الجهود التي بذلت ان تظن انه لولا دورها لما بقي لبنان ولما كان له دور في المنطقة والعالم.

وليس من المفاجآت أن يضرب بالدبلوماسية عرض الحائط زائرا بيروت الأخيران وزير الخارجية عباس عراقجي ورئيس مجلس الشوري محمد باقر قاليباف ليسمع رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ما على لبنان الرسمي فعله لدعم المقاومة واشتراط موافقتها على أي قرار، ولا حتى إعلان الرغبة في تولي التفاوض عن لبنان على وقف النار وتطبيق القرار 1701، لا بل قول قاليباف “إن المرشد والمسؤولين والشعب الإيراني هم الركيزة الأساسية للشعب اللبناني”، لكن المفاجأة كانت في إعلان الرئيس ميقاتي بعدما صارت السلطة “ملحقة” بالمقاومة، الاعتراض على “التدخل” في أمور لبنان.

ولا جدال في الموقف من العدو الإسرائيلي وكون مقاومة الاحتلال ومواجهة العدوان واجباً وطنياً، بصرف النظر عن التكليف الصادر عن المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي بالقول، “قاوموا واصمدوا”.

حرب إسناد حماس اتت بقرار من حزب الله ومن خلفه إيران، والعدوان الكبير في حرب مفتوحة جاء بقرار من حكومة تتنياهو. وبما ان الواجب الوطني في المواجهة يقابله حق وطني في النقاش السياسي، ولو تحت القصف الذي لا يهدأ.

فالمقاومة ليست مشروعاً خاصاً مستقلاً عن البلد وظروفه حتى في الميدان، وهي جزء من مشروع سياسي لما بعد المواجهة، مشروع سياسي ضمن بناء جيوسياسي واستراتيجي مركزه طهران.

ولولا هذا المشروع لما عملت إيران على تأسيس فصائل مسلحة أيديولوجية في العراق وسوريا ولبنان ودعمت الحوثيين في اليمن وحماس والجهاد الاسلامي في غزة. فلا تحرير فلسطين هو كل المشروع بل مرحلة، ولا محور المقاومة الذي اعتبر عباس عراقجي “يمثل أهم مكوّن لقوة الجمهورية الإسلامية” تنحصر مهماته في مقاومة إسرائيل وأميركا.