تحكمت سلطة فاسدة بمفاصل الدولة اللبنانية، نهبت الشعب وأودته إلى الفقر. وقد صدقت معه في تاريخها مرة واحدة، حين قالت: “سنصل إلى جهنم”، فوصلت.

تتعدد الأسباب التي سمحت للمنظومة بالتنكيل بالشعب اللبناني، إلا أن السبب الرئيس يبقى غياب المحاسبة، الذي مكن الفاسدين من ممارسة هواياتهم بحرية تامة دون أي رادع.

في لبنان، ساد حكم “المافيا والميليشيا” اللذان كانا يعملان في تناغم تام؛ فالمافيا تدير شؤون الميليشيا داخل مؤسسات الدولة، بينما توفر الميليشيا لها الحماية الأمنية وتعمل على تهديد وترهيب معارضيها. ولهذا السبب، كانت أجهزة الدولة الأمنية والقضائية معطلة أو، بالأحرى، خاضعة.

لكن مع تغير موازين القوى في المنطقة، انعكس ذلك بشكل مباشر على الساحة اللبنانية، بسبب ارتباط الميليشيا بأجندات خارجية. ومع تراجع هيمنة الميليشيا في الداخل اللبناني، أصبحت المافيا في خطر.

أسفرت هذه التغيرات عن تحول جذري في المشهد السياسي اللبناني، حيث شهد لبنان انتخاب رئيس جمهورية لا ينتمي إلى الفريق الموالي للميليشيا، إضافة إلى تسمية رئيس حكومة فرضته المعارضة، مما أتاح تشكيل حكومة خالية من هيمنة الميليشيا.

في ظل هذه التحولات، يظل الشعب اللبناني المتضرر من السلطة يحمل في وجدانه هاجسًا واحدًا: محاسبة من ارتكبوا الجرائم بحقّه. ولا يتحقق ذلك إلا من خلال قيام قضاء نزيه، كما تعهد رئيس الجمهورية جوزاف عون في خطاب القسم بأن يكون من أولوياته خلال فترة ولايته، إضافة إلى إنجاز قانون استقلالية القضاء.

لذلك، لم يكن شد الحبال أثناء تشكيل الحكومة والصراع على وزارة المال أو غيرها من الأمور ذات أهمية كبيرة بالنسبة للشعب اللبناني الذي يطمح إلى محاسبة الفاسدين. وإذا دققنا في الأمر، نجد أن وزارة العدل هي “أم” الوزارات في نظر الشعب اللبناني.

اليوم، يترقب الشعب المحاسبة في عدة ملفات ضخمة كانت مسرحًا للفساد، منها صفقات وزارة الطاقة والاتصالات، انفجار مرفأ بيروت، محاكمة رياض سلامة، وغيرها من ملفات الفساد. إضافة إلى محاسبة مرتكبي الجرائم والاغتيالات في لبنان.

أسندت هذه الحقيبة اليوم إلى وزير مقرّب من حزب الكتائب اللبنانية، الحزب الذي كان معارضًا منذ عشرة أعوام، والذي واجه هذه السلطة بالأدلة والبراهين في العديد من الملفات. وهذا يبرهن على عدم تواطؤه في أي صفقة فاسدة. فهل تتمكن وزارة العدل في عهد الكتائب من محاكمة الفاسدين واسترداد حقوق الشعب؟