في مرحلة حاسمة من تاريخ لبنان الحديث، برزت حكومة الرئيس نواف سلام في وقت تهدد التحديات استقرار البلاد على مختلف الأصعدة، وتوجت الحكومة انطلاقتها ببيان وزاري يتطابق مع خطاب القسم للرئيس جوزاف عون.

اعتبر البيان الوزاري هذا تحولًا جذريًا في الحياة السياسية اللبنانية إذ تم استبعاد المواقف التي لطالما كانت مثار جدل، أبرزها عبارة “المقاومة” التي حاول البعض تكريسها في البيانات السابقة لفرض معادلة “جيش، شعب، مقاومة” وكي تكون غطاءً لتمسك حزب الله بسلاحه تحت “حجة” المقاومة. هذا التغيير ليس مجرد تعديل لفظي، بل هو خطوة نحو استعادة الدولة لهيبتها وشرعيتها على كامل أراضي الجمهورية.

لا يخفى على أحد أن المنطقة العربية تشهد تغييرات كبيرة، وأن لبنان لم يكن بعيدًا عن التأثيرات الإقليمية التي شكلت جزءًا من معاناته. وهذا يجعل من التحدي الأكبر أمام الحكومة الجديدة هو كيفية توجيه البلاد نحو بر الأمان دون الوقوع فريسة للتدخلات الخارجية.

في هذا السياق، لا يمكننا تجاهل الطرح الذي أطلقه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عام 2020، عندما دعا إلى حياد لبنان لحمايته من الانزلاق في أزمات المنطقة. كانت تلك الفكرة بمثابة صرخة في وجه المخاطر التي تهدد لبنان، وكانت خطوة جريئة. فقد دعا الراعي إلى تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية، وكان هذا الطرح منطلقًا لنقاش واسع، لم يقتصر على الساحة اللبنانية فحسب، بل شمل أيضًا الأوساط العربية والدولية.

لكن، كما هو الحال في كل الأفكار الجريئة، قوبل هذا الطرح بمعارضة شرسة، لا سيما من قبل “حزب الله”، الذي اعتبر هذا الموقف تهديدًا لمشروعه السياسي.

وعندما أصبح العماد جوزاف عون رئيسًا، كان الكثيرون يرون في ذلك بداية لمرحلة جديدة في السياسة اللبنانية، مرحلة من الممكن أن تستعيد فيها الدولة دورها المركزي في رسم السياسة الداخلية والخارجية. وهذا التحول تم تجسيده بشكل مباشر في البيان الوزاري الذي اعتمدته الحكومة الجديدة، والذي تضمن التزامًا بتحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية.

إن البيان الذي أقره الوزراء جميعًا، بما فيهم وزراء “حزب الله” وحركة “أمل”، يمثل نوعًا من الاعتراف بالواقع الجديد، حيث تدرك القوى السياسية اللبنانية أن الانقسامات والصراعات الداخلية قد أضرت بمصلحة لبنان وأدت إلى تدهور وضعه الاقتصادي. لذا، فإن الانفتاح على سياسة تتيح للبنان التحرك بشكل محايد بين القوى الكبرى قد يكون الفرصة الوحيدة للحفاظ على استقرار البلد.