أثناء جلسة مناقشة البيان الوزاري لحكومة نواف سلام، طرح النائب سامي الجميّل مفهومين جوهريين يمثلان حجر الزاوية في رؤيته لبناء لبنان المستقبل: “المصالحة والمصارحة”، لتتحول إلى مادة نقاش وطني أيدها عدد كبير من النواب الخصوم والحلفاء. ورغم أن لبنان يعاني من انقسامات عميقة، فإن الجميّل يرى أن هذين المفهومين لا يعدان مجرد شعارات أو أهداف بعيدة، بل أدوات أساسية لفتح طريق الإصلاح السياسي والاجتماعي الذي يطمح إليه اللبنانيون.
المصالحة، كما يراها الجميّل، ليست مجرد كلمة تُقال في محافل سياسية أو اتفاقات عابرة تقتصر على تسويات ظرفية. هي، في جوهرها، عملية عميقة تهدف إلى بناء جسور من التفاهم بين اللبنانيين، وتجاوز آثار الصراع الذي مزق المجتمع والسياسة لسنوات. ويؤكد الجميّل في خطابه أن المصالحة ليست اتفاقًا على تقاسم السلطة، بل هي دعوة لاستعادة الوحدة الوطنية على أسس من القيم المشتركة والمصالح الوطنية العليا.
أما المصارحة، فقد اعتبرها الجميّل خطوة مكملة لا تقل أهمية عن المصالحة نفسها. فهي دعوة صريحة لجميع القوى السياسية للحديث بوضوح عن أخطائها، وعن الأسباب الحقيقية للأزمة التي وصل إليها لبنان. في نظره، يجب على الطبقة السياسية أن تتحمل مسؤوليتها بالكامل، دون محاولة إخفاء الحقيقة أو إلقاء اللوم على الآخرين.
في لبنان، حيث تعددت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، يرى الجميّل أن غياب المصارحة كان السبب الرئيسي في تفاقم الأزمة. من هنا، فإن المصارحة تعني أن يكون هناك تحول جذري في الطريقة التي يدير بها السياسيون شؤون البلاد. تتطلب المصارحة أن يكون جميع المعنيين على استعداد لتحمل مسؤولياتهم بشكل فردي وجماعي، وأن يعترفوا علنًا بالأخطاء التي أدت إلى تدهور الوضع.
في قلب هذه الرؤية السياسية، دعا الجميّل إلى أن تكون المصالحة والمصارحة عملية مستمرة، تلتزم بها جميع الأطراف، وأن تكون موجهة نحو هدف واضح: بناء دولة قوية ومتوازنة تستمد قوتها من تلاحم شعبها وشفافية مؤسساتها. ولا يعني هذا تقليص دور الطوائف أو القوى المختلفة في الحياة السياسية، بل يهدف إلى تعزيز المشاركة الحقيقية والفعالة بين الجميع من أجل إعادة بناء الثقة التي ضاعت على مر السنين.
في الختام، تبقى دعوة سامي الجميّل للمصالحة والمصارحة بمثابة نداء إلى جميع اللبنانيين لإعادة بناء وطنهم على أسس من الصدق والعدالة. هي دعوة للانتقال من مرحلة الازدواجية السياسية والهيمنة الحزبية إلى مرحلة الشفافية والاحترام المتبادل. وإذا تم تبني هذه الرؤية بشكل جاد من قبل جميع الأطراف، فقد تكون بداية عهد جديد يعيد للبنان استقراره ووحدته.