منذ توقيع “اتفاق وقف إطلاق النار”، يواصل “حزب الله” محاولاته للتعامل مع وضعه المعقد، حيث يسعى للإبقاء على صورة القوة في ظل واقع ضعيف. الحزب يحاول أن يوازن بين إظهار قوته أمام حلفائه وجمهوره وبين الالتزام بالاتفاقات الدولية التي فرضت عليه قيودًا لم يكن في وارد قبولها في الماضي. ولكن الواقع الميداني يبدو مختلفًا، حيث تتساقط الضربات الإسرائيلية على عناصره في لبنان، في وقت يجد فيه الحزب نفسه غير قادر على الردّ.
على الرغم من المحاولات المستمرة لإظهار أنه قد استعاد قدراته العسكرية والسياسية، يبقى “حزب الله” في حالة دفاع، محاولًا تعزيز معنويات مناصريه من خلال الخطابات والظهورات العامة التي تُظهره في صورة القوة. على سبيل المثال، خلال تشييع نصر الله، وكذلك في تصريحات نعيم قاسم، كان يتم التأكيد على أن الحزب قد تجاوز مرحلة الصعوبات وبدأ في العودة إلى مواقعه السابقة. لكن مع استمرار الضربات الإسرائيلية الأخيرة، أصبح واضحًا أن الحزب لم يعد قادرًا على الردّ على تلك الاستفزازات.
على الرغم من كل محاولات الإيحاء بالقدرة على التماسك والانتقام، فإن واقع الوضع على الأرض يظل قاسيًا بالنسبة للحزب، الذي يعاني من عدم القدرة على اتخاذ خطوات فعالة للرد على تلك الهجمات.
التفسير الذي يقدمه بعض المحللين، ومنهم دبلوماسيون مقيمون في بيروت، هو أن إسرائيل تتعامل مع “حزب الله” بناء على تفسيرها لاتفاق وقف النار، حيث تعتبر أن الكرة في ملعب الحزب، وأنه يجب عليه التزام الحدود التي فرضها الاتفاق. وإذا لم يستجب الحزب، فإن الضغوط العسكرية ستستمر، وهو ما يدخل الحزب في مأزق معقد.
لا يقتصر الأمر على الضغوط العسكرية فقط، بل إن “حزب الله” يواجه تحديات إضافية تتمثل في تراجع تحالفاته الإقليمية. الصعوبات التي تواجهها جماعة الحوثيين في اليمن، هذا التصدع في جبهة الحلفاء قد يؤثر على قدرة الحزب في مواجهة أي تهديدات مستقبلية أو في اتخاذ قرارات عسكرية استراتيجية.
في ظل هذه التحديات المتزايدة، أصبح “حزب الله” في موقف صعب حيث لا يستطيع التقدم أو التراجع. عبارته الشهيرة “الميدان هو الذي يقرر” بدأت تظهر في وقتها الحرج، حيث لا يمكنه حسم المعركة على الأرض أو السيطرة على الأوضاع لصالحه. يبدو أن الحزب قد دخل في مأزق استراتيجي حقيقي، حيث يصعب عليه إيجاد مخرج من هذه الحلقة المفرغة التي يجد نفسه عالقًا فيها، ولم يبقَ أمامه سوى التكيّف مع الوضع الراهن وتسليم سلاحه.