لبنان، الذي كان لسنوات طويلة مسرحًا للتدخلات الخارجية، يجد نفسه اليوم أمام فرصة تاريخية لاستعادة استقلاله الكامل واتخاذ قراراته بعيدًا عن الوصايات. هذه اللحظة، التي تشرق فيها آمال اللبنانيين بإمكانية فتح صفحة جديدة، تقتضي من الجميع التكاتف والعمل معًا لبناء دولة ذات سيادة حقيقية، بعيدًا عن الأجندات الإقليمية أو الدولية.
وبهذه الفرصة، يكون الوقت مناسبًا للمصارحة، فلا يمكن لبلد أن يبني مستقبله على التكاذب أو معاداة فريق لآخر. المرحلة الحالية تتطلب الصدق في الحوار، وفي الوقت نفسه، محاسبة حقيقية بحق من ارتكبوا جرائم سياسية. وعلى الرغم من أن المصارحة أمر لا غنى عنه، إلا أن ذلك لا يعني تحميل كل طرف تبعات الماضي، بل ضمان تحقيق العدالة والمساواة بين جميع اللبنانيين.
لكن في ظل الوضع الراهن اليوم، يشكل السلاح الخارج عن سيطرة الدولة عائقًا أمام التقدم نحو دولة قانون حقيقية، فلا يجوز أن تحصل المصارحة في ظل فريق مسلح يفرض على الموجودين الرواية التي تخدم وجهة نظره.
وبمنحى آخر، لا بد من دمج جميع الأسلحة ضمن مؤسسات الدولة، لتكون هي المرجعية الوحيدة في حفظ الأمن والاستقرار. وعلى لبنان أن يعزز سلطته على كافة أراضيه، بما في ذلك الحدود مع سوريا وإسرائيل. إن استعادة السيادة أمر حيوي لاستقرار البلد، ولتأكيد أن الدولة هي المهيمنة على جميع الجوانب الأمنية والعسكرية. عندها يكون الجميع مستعدين للجلوس إلى طاولة حوار حقيقية.
يعتبر البعض أن علة الحياة السياسية في لبنان هي تدخل الأحزاب، وهو مفهوم خاطئ ترسخ في أذهان البعض بسبب أن الأحزاب السياسية لجأت في أيام الحرب إلى إنشاء ميليشيات. وفي حالة السلم، سلمت الأكثرية سلاحها للدولة وعادت إلى مزاولة الحياة السياسية الطبيعية كجميع دول العالم، كونها لا يمكن أن تستمر بمعزل عن الأحزاب، فهذه الأخيرة تشكل أحد الدعائم الأساسية للممارسة الديمقراطية. ورغم التحديات التي تواجه الأحزاب، إلا أن إصلاح المؤسسات السياسية لا يمكن أن يتحقق إلا بتعاون حقيقي ومتكامل بين هذه الأحزاب في إطار الدولة. وهنا يبقى للأيام أن تظهر للبنانيين من هم الأجراء في مد اليد لتلاقي الوطني للنهوض بلبنان إلى حقبة الاستقرار والازدهار.