لطالما كانت القضايا السياسية في لبنان محكومة بالتغيرات المتسارعة في المنطقة، وواحدة من أبرز هذه القضايا التي تستمر في إثارة الجدل هي مسألة “التوطين” و”التطبيع”. هاتان القاضيتان لا تقتصران على المخاوف المحلية، بل ترتبطان بشكل وثيق بما يجري على الساحة الإقليمية والدولية، خصوصًا في ظل التوترات المتزايدة في منطقتنا الإقليمية.
إن فكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ليست جديدة، لكنها تتجدد مع كل مرحلة من مراحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن الدستور اللبناني يمنع التوطين، تبقى الضغوطات الخارجية والمفاوضات الإقليمية مصدر قلق مستمر للبنانيين. فالوضع الفلسطيني في لبنان يزداد تعقيدًا بمرور الوقت، مما يجعل مسألة توطين اللاجئين موضوعًا حساسًا يخشى أن يؤثر بشكل كبير على التوازن الاجتماعي والاقتصادي في البلاد. وبالنظر إلى التطورات الأخيرة في المنطقة، فإن التوطين يبدو وكأنه أمر واقع قد تحاول بعض القوى فرضه، رغم رفض لبنان الدائم له. الواقع يعكس تأثير القوى الكبرى في المنطقة، التي تحاول دفع لبنان إلى موقف قد يغير من طبيعته الديموغرافية.
أما على الجانب الآخر، فإن “التطبيع” مع إسرائيل يمثل التحدي الثاني الذي يواجهه لبنان. على الرغم من الضغوط الأمريكية المستمرة، خاصة في العهد السابق للرئيس دونالد ترامب، الذي كان يسعى لضم دول عربية إلى “اتفاقات أبراهام”، فإن لبنان يرفض بشكل قاطع الانصياع لهذه الضغوط. لبنان، الذي لا يزال متمسكًا بمواقفه الرسمية الرافضة لأي علاقة مع إسرائيل في غياب حل عادل للقضية الفلسطينية، يرى في التطبيع تهديدًا لمصلحة الشعب الفلسطيني. إضافة إلى ذلك، فإن لبنان ملتزم بالمبادرة العربية للسلام التي أقرتها قمة بيروت عام 2002، والتي تشترط السلام مع إسرائيل في مقابل انسحابها من الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطينية.
ورغم المحاولات المستمرة من بعض القوى الكبرى لدفع لبنان إلى التطبيع، يبقى موقف لبنان واضحًا: لا يمكن القبول بالتطبيع مع إسرائيل دون تحقيق الحل العادل للقضية الفلسطينية وضمان حق الشعب الفلسطيني في العودة وإقامة دولته المستقلة.
لبنان على بعد أيام من إطفاء الشمعة الخمسين على اندلاع الحرب اللبنانية، التي كان جوهرها تحويل لبنان إلى وطن بديل للفلسطينيين. فهل سيكون لبنان اليوم أمام منعطف جديد في دوامة القضية الفلسطينية، مع إشعال فتيل التوطين الفلسطيني في لبنان مرة جديدة؟