في ظل التحولات المتسارعة في المنطقة، يظهر نهج جديد قديم يقوده “حزب الله” وحليفه جبران باسيل، يقوم على استحضار خطاب الأقليات كأداة سياسية لإعادة ترسيخ النفوذ. هذا المشروع، الذي يرتكز على إشاعة الخوف من المكوّن السنّي، لا يستند فقط إلى قراءة داخلية لبنية المجتمع اللبناني، بل مبني أيضًا على ما شهدته سوريا من تغيرات أيضًا.

لقد أدرك الثنائي أن التوازنات المحلية لم تعد وحدها كافية لتبرير استمرارية مشروع السلاح والتفرد، فكان لا بد من توسيع رقعة الخطاب ليشمل بعدًا إقليميًا، تُستخدم فيه تطورات الساحة السورية كمنصة لتغذية هواجس الأقليات، لا سيما المسيحية والدرزية، وتقديم “حزب الله” وباسيل نفسيهما كحماة لهذه المجموعات من “الخطر الأكبر”: الأغلبية السنية التي يجري تصويرها كتهديد وجودي.

هذا الخطاب لم يأتِ منفصلًا عن الأدوات العملية. فمنذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، سعى “حزب الله” إلى إبقاء قبضته على الحدود الشرقية بحجة التصدي للتطرف، فيما كانت الوقائع تكشف عن استغلال هذه المناطق في بناء اقتصاديات موازية عبر تصنيع المخدرات وتهريبها.

أما جبران باسيل، فقد وجد في هذه اللعبة الطائفية فرصة لإعادة التموضع. فبعد أن أغلق بوجهه باب دمشق عقب انهيار نظام الأسد، عاد في خطابه مؤخرًا إلى لغة التحريض، محذرًا من مستقبل المسيحيين في ظل ما سماه “الحكم السنّي في سوريا”. جاءت تصريحاته هذه لتعكس هذا التوجه، حين أعرب عن “قلقه على مصير المسيحيين” نتيجة ما وصفه بعمليات القتل الجماعي والاضطهاد الديني، متجاهلًا، عمدًا أو عن جهل، أن في عهد عمه الرئيس ميشال عون، شهد لبنان أكبر هجرة للمسيحيين في تاريخه، مما يعني ان المسيحيين لا يجدون فيه حاميًا أو مدافعًا عنهم.

ما يجري ليس مجرد حملة إعلامية عابرة، بل هو بناء ممنهج لمشروع سياسي يستند إلى إعادة تدوير المخاوف، واستثمار التوترات المذهبية كوقود للاستمرار في الإمساك بورقة السلاح والدور خارج الدولة. الرهان واضح: انتظار لحظة إقليمية أو محلية تفتح الباب أمام إعادة تشكيل تحالف الأقليات، بما يسمح لـ”حزب الله” بإعادة إنتاج دوره المهيمن، هذه المرة بغطاء أوسع من مجرد الخطاب الشيعي المقاوم، إلى خطاب جامع للأقليات في مواجهة “الخطر السنّي”.